حكم حرق الجثث الموتى المصابين بفيروس كوورنا .. سؤال حائر بين كثير من الناس خاصة بعد مشاهدة بعض الدول تحرق الموتى خوفًا من انتشار كورونا، ولكنهل حرق الجثث يساعد على القضاء علىكورونا؟،وفقًا لمنظمة الصحة العالميةلا يوجد دليل أن الجثث تشكل خطر الإصابة بالأمراض الوبائي، حيثمعظم مسببات الأمراض لا تعيش لفترة طويلة في جسم الإنسان بعد الموت.
وللإجابة عن السؤال الذي يطرح نفسه: "ما حكم حرق جثث الموتى في كل الأحوال وليس بسبب كورونا فقط؟، قالت دار الإفتاء المصرية،إنه لا خلاف بين المسلمين في أن للإنسان حرمة وكرامة حيًّا وميتًا، كما يشير إليه قول الله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" [الإسراء: 70]، ومن كرامته بعد موته دفنه في اللحد أو القبر بالكيفية الشرعية التي بيَّنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما ورد عنه من السنة الصحيحة، ودَرَجَ عليه أصحابه والتابعون وسائر المسلمين إلى الآن، فلا يجوز بحالٍ إحراقُ جثث موتى المسلمين، ولم يُعرَف الحرقُ للجثث إلا في تقاليد المجوس، وقد أُمِرنا بمخالفتهم فيما يصنعون مما لا يوافق شريعتنا الغراء.
وأكدت أن الحرق ينافي التكريم؛ ولأن للميت حرمة كحرمة الحي؛ وقد روى أبو داود عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا»؛ قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (13/ 144، ط. وزارة الأوقاف المغربية): [هذا كلام عام يراد به الخصوص؛ لإجماعهم على أن كسر عظم الميت لا دية فيه ولا قَوَد، فعلمنا أن المعنى ككسره حيًّا في الإثم، لا في القَوَد ولا الدية؛ لإجماع العلماء على ما ذكرت لك.
لو حرق الجثث هو الحل ماذا نفعل؟.. عند انتشار مرضالإيبولا، أصدرت دار الإفتاء المصرية عام 2015 فتوى رسمية، نبه فيها الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، أن حرق الجثث حرام شرعا ولكن يجوزأن تُحرَق جثة مريض الإيبولا بعد موته إن كان الحرق هو الوسيلة المتعينة للحَدِّ من انتشار الوباء في الأحياء، على أن يتم دفنها بعد ذلك، والمرجع في ذلك كله هو قول أهل الاختصاص المعتبرين.
نجد في فتوى دار الإفتاء المصرية، أنها أرجعت الحرق إلى الأطباءحفاظًا على الإنسان الحي، فهذه الفتوى من احتصاص الطبيب الثقة، أما حكم حرق الجثث عموما بدون الحاجة إليه فأفادت بأنه غير جائز،لكن إذا عورض هذا الأصل بما كانت المصلحة فيه أقوى من المصلحة المتغياة بدفن الميت -من تكريمه ونحوه-؛ مثل أن يكون الحرق هو الوسيلة المتعينة للحَدِّ من انتشار الوباء في الأحياء إن لم يتم إحراق جثة الميت المصاب بهذا الداء، فإنه يشرع حينئذٍ حرق الجثث التي يخشى انتشار المرض إذا لم تحرق، والمصلحة هنا تكون حفظ كُلِّيٍّ من أهم الكليات الخمسة الضرورية التي ورد الشرع بحفظها، وهو النفس؛ قال الإمام الغزالي في "المستصفى" (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية): [مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة].
وتابع مفتي الجمهورية:وكثير من العلماء في ترتيبهم للمقاصد قد جعلوا حفظ النفس هو المقدم على الأربعة الباقية؛ كالإمام الرازي، والقرافي، والبيضاوي. انظر: "المحصول" للرازي (5/ 160، 458، ط. مؤسسة الرسالة)، و"شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: 304، ط. دار الفكر)، و"منهاج الوصول" للبيضاوي (ص: 59، ط. مطبعة السعادة بمصر).
وأفاد بأنهذا الترتيب يستقيم بناءً على تفسير الدِّين بما يُقابِل الإسلام بتمامه؛ كفروع الدِّين والشعائر ونحوها، وتقديم النَّفس مبرره: أن بها تحصل العبادات، وليس المقصود بالدين هنا هو الإسلام، بل الإسلام في هذا الاصطلاح أعم من الدين بذلك المفهوم، ويدل عليه موقف عَمَّار مع المشركين، وِإذْن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له بأن ينطق بكلمة الكفر؛ حفاظًا على النفس؛ "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ" [النحل: 106]. انظر: "المدخل" للدكتور علي جمعة (ص: 126، ط. المعهد العالمي للفكر الإسلامي).
وواصل:وكذلك، فإن قواعد الشرع الأخرى تدعم ذلك وتدل عليه؛ من نحو قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، وقاعدة "ما أُبيح للضرورة يُقَدَّر بقدرها"، وقاعدة "الضرر يزال"، وقاعدة "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام"، وقاعدة "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"، وقاعدة "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما"، وقاعدة "درء المفاسد أولى من جلب المصالح". انظر: "المنثور في القواعد" للزركشي (2/ 317، 320، ط. وزارة الأوقاف الكويتية)، و"الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص84، 87، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح القواعد الفقهية" للشيخ أحمد الزرقا (ص179، 197، ط. دار القلم).
وألمح إلى أنهتقرر في الشريعة الإسلامية أن حق الحي مقدم على حق الميت إذا تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما؛ لأن الحي أهم، والأهم مقدم على المهم، ومما يشهد لذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: "أنها دخلت على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: أرجو فيما بيني وبين الليل -يعني: أتوقع أن تكون موتتي فيما بين ساعتي هذه وبين الليل-، فنظر إلى ثوب عليه، كان يُمَرَّض فيه به رَدع من زعفران -يعني: أثر-، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها، قلت: إن هذا خَلَق -يعني: قديم بالٍ-، قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمُهلة -يعني الصديد الذي يخرج من جثة المتوفى بعد موته-، فلم يتوفَّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح".
وأردف: وردت تطبيقات لهذا الأصل في كلام الفقهاء؛ من ذلك: ما قاله فقهاء الحنفية فيما إذا ماتت امرأة وهي حامل، فاضطرب الولد في بطنها؛ قال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (8/ 233، ط. دار الكتاب الإسلامي): [فإن كان أكبر رأيه أنه حي يشق بطنها; لأن ذلك تسبب في إحياء نفس محترمة بترك تعظيم الميت، فالإحياء أولى].
وعرض قولالشيخ الجرجاني فيمن ابتلع درة أو دنانير لآخر، فمات المبتلع، ولم يترك مالًا: [إنه يشق بطن الميت لاستخراج ما ابتلعه]؛ قال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (8/ 233) -مُعَلِّلًا هذا الرأي-: [لأن حق الآدمي مُقَدَّمٌ على حق الله تعالى إن كان حرمة الميت حقًّا لله تعالى، وإن كان حق الميت، فحق الآدمي الحي مقدم على حق الميت؛ لاحتياج الحي إلى حقه].
كيف نتعامل مع موتى كورونا
قالت دار الإفتاء المصرية،إأنه يجوز عدم تغسيل موتى كورونا، كما يجوز التيمم للموتى إذا استطاع المسلمون إلى ذلك سبيلًا، منوهةبأن الأصل في الإسلام أن الميت المسلم يغسل غسلًا شرعيًا ويكفن ويصلى عليه ويدفن، إلا إذا ثبت طبيًا أن المتوفى بمرض ما يتعذر غسله، لكونه مظنة حصول العدوى.
وأوضحت دار الإفتاء: "يلجأ حينئذ إلى التيمم بدلًا من الغسل، فإذا تعذر هو الآخر ولم يمكن ارتكابه خوفا من العدوى، يترك وسقطت المطالبة به شرعا، ولكن يبقى للميت بعد ذلك ما أمكن من التكفين والصلاة والدفن".
وأكد الدكتور أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء، أنالأصل أن المسلم إذا مات يغسل ويكفن ويصلى عليه، ولكن بفرض أن المسلم المتوفى كان مريضًا بمرض معدٍ والجهات المعنية قررت أن تغسيله يساعد على نشر الوباء أو المرض، وهذا حدث في منذ عدة سنوات حينما انتشر مرض «الإيبولا» قالت منظمة الصحة إن التغسيل يساعد في انتشار الوباء، هنا يكون الحل عدم تغسيله ويمكن تيميمه وإذا تيقنا أن تيميمه أيضًا ينقل العدوى فلا نيممه ونكفنه ونصلى عليه.
وأوضح: «ولكن ليس مجرد أن يكون هناك مرض معدٍ فلا نغسله فهناك إجراءات وقرارات من الصحة ومرجعنا في ذلك الجهات الطبية الموثوق فيها، وحتى الآن لم تصل إلينا شيء ما يمنعنا من التغسيل».
كيفية غسل الميت