الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمريكا.. إمبراطورية وليدة في طور التكوين





إن الوصول للقمة، ليس أمرا سهلا، ولا شيئا هينا، وتحقيق الزعامة، لا يتحصل هكذا بسهولة، ولكن هذا الوصول للقمة، والتربع على العرش، وتحقيق الزعامة إنما يتم بالقوة التي يمتلكها الشخص أو الكيان أو الدولة، وفي سبيل تحقيق ذلك، يتم مرمغة أنوف المنافسين والأعداء في التراب، ويحدث تحطيم آمال الآخرين، ووأد أحلامهم قبل أن تولد.

هذه هي طبيعة الأشياء، خاصة، في تربع الدول على عرش العالم، أو جزء منه، ذلك الذي لا يتم إلا للإمبراطوريات الكبيرة، فلم تحقق دولة لا تسعفها حدودها، ولا تدفعها إمكاناتها، مثل هذه الزعامة العالمية، ولكي تصبح دولة من الدول إمبراطورية، فإنها تتمدد خارج حدودها الجغرافية، لتسيطر على مساحات كبيرة من العالم، هذا الذي يتم تسويقه بعديد الشعارات، ومختلف الأسباب التي تبدو، براقة دائما، فمن تحرير لتلك الشعوب من حكامها مرة، ومن نشر لتعاليم سماوية مرة أخرى، ومن تمكين لقيم إنسانية معينة مرة ثالثة، وفي كل هذه الادعاءات لم يطلب مرة شعب من الشعوب من تلك القوى الغاشمة أن تأتيه محررة ولا أن تنشر له عقيدة أخرى غير عقيدته، ولا أن تعلمه تلك القيم الإنسانية المزعومة.

إنه الطمع في خيرات تلك البلاد، والرغبة في السيطرة على مقدرات العباد، والإصرار على التمدد الجغرافي لضم بلاد جديدة إلى الإمبراطورية، أو الدولة التي تسعى للسيطرة على العالم أو على جزء منه.

إن الوصول لبناء وتكوين الإمبراطورية لم يحصل في التاريخ إلا لأمم محدودة، لأن تحقيق ذلك من الصعوبة بمكان كبير، فلا تسمح الدول، هكذا بسهولة، لأمة من الأمم أن تصبح إمبراطورية، وكيف ذلك؟، وهو لن يتحقق إلا على أشلاء أجساد أبنائها، ولن يتم إلا إذا وقعت هذه الدول تحت نير العبودية والاحتلال، ومن هنا تكون المقاومة شرسة، يذهب ضحيتها آلاف الجنود، وتزهق فيها آلاف إن لم يكن ملايين الأرواح، إلى أن يتم التمكين لهذه الإمبراطورية الوليدة الساعية دوما للتوسع الجغرافي، والازدياد فيما تحكم من البشر.

وشاءت الأقدار أن يشهد دائما التاريخ أكثر من إمبراطورية "قوة كبرى" في فترة زمنية واحدة، ذلك الذي كان يجعل الناس مقسومة بين سيطرة تلك الإمبراطوريات المختلفة، وهو ما كان يعرف بتعادل ميزان القوى، حيث تحسب كل إمبراطورية للأخرى الحساب المناسب، ما يجعل هناك توازن في العالم.

ظل العالم هكذا إلا أن انهار الاتحاد السوفييتي السابق في بداية تسعينات القرن الماضي وعلى وجه التحديد في السادس والعشرين من ديسمبر عام ١٩٩١، ليحدث خللا كبيرا في ميزان القوة العالمية، لتتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش العالم كقوة عظمى وحيدة، اعترفت لها الدنيا كلها، وهنا نسأل هل هذه القوى الوحيدة إمبراطورية أم دولة؟، والفارق شاسع بين الاثنين، إن الولايات المتحدة إمبراطورية لم يشهد العالم لقوتها مثيلا عبر التاريخ، وهي قوة عظمى منفردة، فلا تستطيع دولة مهما كانت قوتها أن تقف في مواجهتها، فأكثر ما تفعله الدول الآن هو الوصول لتوافق، مع وجود هامش بسيط للاختلاف، مع الولايات المتحدة الأمريكية، فلم نسمع دولة مهما تمتعت بقوة، تنازع أمريكا كقوة عظمى.

هذا الذي لا يُرْضِي غالبية الشعوب في العالم، فالشعوب اعتادت على التفاخر بالقوة، الذي لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان هناك في الواقع ما يسنده، من إنجاز وقوة، وإلا لجأت تلك الشعوب لماضيها تستدعي منه صفحات مجد، سطرتها في أيام خلت، كما هو الشأن في عالمنا العربي والإسلامي، الذي يعاني واقعا مرا، وعصرا صعبا، وزمنا أجدب لا يجد فيه من بد، لإرضاء غرور النفس سوى تلك العودة للماضي، لا ليستلهم من مجدها ما يُمَكّنه من صنع حاضر ومستقبل يزهو، وتزهو الأجيال القادمة به، بل لنتغنى بتلك الأيام التي خلت، والقرون التي ولت، وعلى جانب آخر ننتظر من غيرنا أن يتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية القوى العظمى الوحيدة في العالم، لا، حاشا لله، ليس فقط يتفوق عليها، بل يحطمها تحطيما ويمرغ أنفها في التراب.

ولسنا في حاجة لكثير تأمل، بل بنظرة تكاد تكون عابرة، فإذا بنا نلحظ كم الكُرْه والبغض في مجتمعنا المصري والعربي والإسلامي للولايات المتحدة الأمريكية، هذا الكره وذاك البغض الذي يبرره موقف الولايات المتحدة الأمريكية من القضية الأولى عربيا وإسلاميا وهي القضية الفلسطينية، وانحيازه المطلق للعدو الصهيوني، فضلا عن الاحتلال الأمريكي للعراق وتحطيم قوتها، وإعدام رئيسها، صدام حسين، الذي أصبح بطلا في المخيلة الجمعية العربية، بعد أن كان ديكتاتورا بشهادة النسبة الأكبر من العرب، قبل الغزو الأمريكي للعراق، وهو ما يعكس أن ترمومتر توجه الشعوب العربية هو عكس ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة للعدوان الغربي بقيادة الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية على ليبيا، ومقتل الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي كان هو الآخر أيقونة للديكتاتورية البشعة، والذي تحول هو الآخر بعد مقتلة على يد المارقين "الذين منحهم الغرب لقب الثوار" إلى بطل عربي بإظهار جانبه المقاوِم للهيمنة الأمريكية، ونسيان ما عداه.

والكثير من مثل هكذا أحداث جسام وقعت في عالمنا العربي والإسلامي، كان الموقف الأمريكي فيها مشينا، كما كان وجهه القبيح المعادي للعرب والمسلمين فيها سافرا، وهو ما يجعل هذا الكره المتعمق في الشخصية المصرية والعربية والإسلامية مبررا.

هذا شيء، وما يتم تداوله على الساحة المصرية والعربية والإسلامية شيء آخر، فليس معنى أن أمريكا تتخذ هذه المواقف من قضايانا، أو تقوم بالاعتداء على أراضينا، أن ننظر فقط للأمور بعين التمني، وأن نقوم بتضخيم أي موقف، لدولة من الدول وكأني بهذا الموقف سيزيح أمريكا من على عرش العالم، ولا أن نلتقط تصريحا لشخص، فضلا عن مسؤول، وكأن الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة الاحتضار، فكل ذلك أمانِ مكلومٍ، وأمنياتٌ عاجزٍ.

فالواقع الذي يجب أن نخبره جيدا ونسبر أغواره، هو أن حياة الإمبراطوريات تتباين عن حياة الدول، ومدة بقاء الإمبراطوريات تختلف اختلافا كبيرا عن بقاء الدول، والتاريخ هو ما يؤكد لنا ذلك، فإن كانت حياة الدول تعد بعشرات السنين، فإن الإمبراطوريات تعد حياتها بالقرون، فأين هي تلك الإمبراطورية التي زالت بعد مائة عام، أو مئتين؟. وإمبراطورية الولايات المتحدة لم يمر من عمرها، إذا اعتبرنا قيامها بعد الحرب العالمية الثانية، أكثر من بضع عشرات من السنين.

إذًا، إذا استرشدنا بالتاريخ، وهو نعم المرشد، فإننا أمام إمبراطورية مازالت في طور الولادة والتكوين، إمبراطورية تمتلك كل مقومات القوى العظمى، تعترف لها كل الدول بتفردها، وقوتها، وتسعى كل أنظمة الحكم، لأن الأنظمة هي الأكثر دراية، في خطب ودها، ذلك الذي يرفضه بالطبع العقل الجمعي العربي، لما أسلفنا من أسباب.

هذا الرفض الذي ينتظر زوال أمريكا، أو على الأقل مشاركة قوى أخرى لها في قيادة العالم، ذلك الذي أَزْعمُ أنه لن يتم، في المستقبل المنظور، وفي كل الأحوال لن ترى أجيالنا، ولا الأجيال القادمة القريبة، تلك الأمنية تتحقق.

أعلم أن زعمي هذا لن يُرٍضِي الغالبية العظمى من قراء هذا المقال، ولكني في الحقيقة لا أكتب لأنال رضا، ولا لتصيبني سهام سخط، فأنا أسطر ما يركن إليه عقلي، ويطمئن إليه تفكيري، وما يتفق مع قناعاتي، وما أستنبطه من قراءة الواقع الذي هو بكل تأكيد يقبل قراءات أخرى أحترمها وأقدرها، وأقدر أصحابها.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط