الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كوكب نيبيرو.. العلم الزائف «1»


على مر التاريخ دائما ظهر بجوار كل علم حقيقي علمٌ آخر مزيف، يلاقي انتشارا واسعا يفوق العلوم الحقيقية، ويجد آذانا مصغية، لأنه يدغدغ مشاعر العوام، لأنه يخاطب فيه رغبات دفينة، في ذات الوقت الذي يقدم لهم "حقائق مزيفة" لا تقبل الشك، عكس العلم الحقيقي الذي يميزه أول ما يميزه الشكُّ في كل شيء، ذلك الشك الذي هو للعالم الحقيقي صنو اليقين، فلا يقبل شيئا باعتباره مُسلّم به، ولا يقدم منتجا باعتباره لا يدخله الشك من فوقه ولا بين يديه، عكس العلوم المزيفة التي تزعم كل ذلك.

وتعريف العلم الحقيقي: أنه النظريات والحقائق العلمية القائمة على الاختبار، والتدقيق، والتي تحظى بإجماع علمي، وبالنجاح المستمر من خلال فحص مصداقياتها الدائمة، وهي العلوم التي بنت حضارتنا الحالية ونتج عنها هذا الكم الهائل من التقنيات والتكنولوجيا التي ينعم بها إنسان هذا اليوم.

أما العلم الزائف فهو المعتقدات " ليست نظريات بل أيدلوجيا" والأفكار والممارسات التي يُدَّعَى بأنها علمية وحقيقية معا، دون أن تكون متوافقة مع المنهجية العلمية، يتألف هذا العلم من حقائق مزعومة فقط، يربطها سوء الفهم، وتتنكر على هيئة مبادئ، وما يميز هذا العلم المزيف أن ادعاءاته، تمتاز بالتناقض، أو المبالغة، أو التهرب من النقد، وعدم قابليتها للدحض، حين يعتمد المدعي على الانحياز التأكيدي العميق لأفكاره وذاته الموهومة، وينطبق هذا على مؤيدي العلم الزائف، والعلماء المزيفين، مثل عدم انفتاحه وتقبله لتقييم الخبراء الآخرين، وغياب الممارسات المنطقية في تقييم نظرياتهم المزعومة، وهذا العلم لا يلتزم على الإطلاق بالمعايير العلمية المقبولة، كمنهج البحث العلمي، وقابلية نقد الافتراضات، ومبادئ ميرتون الأربعة، التي هي بالمناسبة غير متفق عليها بين العلماء، ولكنها تحظى بقبول معقول. وهي التي ينتج عنها الحد الفاصل بين العلم الحقيقي والعلم المزيف.

ومبادئ ميرتون، ١٩٤٢، الأربعة، والتي أضيف لها بعض التفريعات، التي تؤسس للعلم الحقيقي، هي على الشكل التالي: أولا الأصالة، بمعنى أنه لكي يصبح العلم الذي يقدم حقيقيا، فلابد أن يقدم العالِم علما جديدا. ثانيا: عدم انحياز الباحث أو العالم، في العلوم الإنسانية أو التطبيقية، إلى نتيجة مسبقة في ذهنه، ويترك التجربة والاختبار يقودان إلى النتيجة، دون أن يكون هناك أيٍّ من الدوافع الشخصية، ولا الأيدلوجية، فلا يجوز مطلقا للعالم أن ينحاز، بل لابد أن يتمتع بالحياد المطلق. ثالثا: العمومية فلا يكون الحصول على المعلومات متفاوتة، فلابد أن تكون النظرية أو المعلومة التي يقدمها العالِم للجميع، فلا يجوز أن يختص بتلك النظرية جماعة معينة ولا فئة معينة ولا طبقة بعينها ولا دين بذاته أو غير ذلك من تقسيمات، فإتاحته تكون للجميع، وأن ينشر على المجتمع المشارك به، بل لابد أن يبدي المجتمع رأيه فيه، وإن كان هذا الرأي غير ملزم إلا إذا صدر عن علماء في نفس التخصص.رابعا: الشكوكية، فلكي يكون العلم حقيقيا غير مزيف، فلابد أن يقبل الشك، فالعلم، عكس الدين، أي دين، الذي هو مطلق ولا يقبل الشك في أي شيء، لأنه يقدم الحقيقة المطلقة، وانتهى الأمر، أما العلم فيقبل دائما الشك، لأن هدفه الوحيد وغايته السامية هي كشف الحقيقة، فليس هناك في العلم إيمان تام مطلق.

وكما قلنا سابقا فإن لكل علم هناك فضاء مجاور له ينشأ فيه العلم الزائف، فعلى سبيل المثال وجدنا بجوار علم الفلك التنجيم، الذي يستهوي العوام، عكس علم الفلك، الذي لكي يتعرف عليه المرء فلابد من معرفة النظريات الفلكية، والمباحث العلمية الدقيقة فيه، وهو ما يعزف عنه الغالبية العظمى من الناس لصعوبته، كما وجدنا بجانب علم الكيمياء الحقيقي علم "الخيمياء" المزيف، والذي من المناسبة قد وقع في شَرَكِه واستهواه لفترة طويلة من عمره أكبرُ عقلية بشرية في التاريخ، بحسب العالم المعاصر نيل ديغراس تايسون ‏ العالم الأمريكي المختص بالفيزياء الفلكية الذي سُئل في أحد البرامج التليفزيونية عن أهم عقلية في التاريخ البشري، فجاءت إجابته دون تردد، إنه إسحق نيوتن، ولمن لا يعرف الخيمياء "العلم الزائف" فإنها نشأت في مصر الرومانية في القرون الأولى. وانتشرت في أوروبا وأفريقيا وآسيا، وكان هدفها هو تنقية وإنضاج بعض المواد والوصول بها إلى الكمال. كانت الأهداف المشتركة تشمل "علم الكريسوبويا"، وهو تحويل "الفلزات الوضيعة" (مثل الرصاص) إلى " فلزات نبيلة " (وخاصة الذهب)؛ والسعي لابتكار إكسير الحياة، والذي هو حجر الفلاسفة، في محاولات الإنسان المستميتة للخلود.

إن هناك من يقوم على هذه العلوم المزيفة، بل هناك جامعات تعمل على مثل هذه العلوم، وهناك بكل تأكيد أهداف تقبع خلف الرعاية التي تلقاها مثل هذه العلوم التي هي مضرة كل الضرر، والتي تخلو من كل فائدة، اللهم إلا ذلك التوازن النفسي الذي يحتاجه الإنسان في بعض الحالات.

ولا يمكننا أن نستبعد تلك الفرضية التي تميل إلى أن "الأيدلوجيات" المختلفة، وراء مثل هذه العلوم المزيفة، بهدف إثبات صحتها، أو بهدف النيل من منافسيها، أو محاولة في الصمود أمام العلم الذي عليه أن يكافح بجانب مكافحته الموروثات المتعددة من سحر وما في العقائد من مطلق حقائق ومن فلسفة، عليه أيضا أن يكافح أخيرا العلومَ المزيفة.

وكذلك فإن العلم المزيف يدخل في إطار تلك الحروب التي تقودها مؤسسات صناعية وذلك بهدف التشكيك في المنتج العلمي الخاضع لكافة الضوابط العلمية، لفوائد ضيقة تعود على تلك المؤسسات، ومن هنا فإن العلم الزائف ينجم عنه عواقب سلبية على العالِم الحقيقي، فمثلًا يقدم الناشطون المعارضون للقاحات عموما دراسات علمية زائفة تدعو بشكل مغلوط للتساؤل حول مأمونية اللقاحات.

ولعل ظاهرة العلم الزائف تتبدى أظهر ما يكون في أزمة ڤيروس كورونا التي نجد في مقابل العلماء الحقيقيين والباحثين الذين يعملون وفق منظومة البحث العلمي الرصين المعتمد على المناهج العلمية الدقيقة، فريق مواز من أصحاب العلم الزائف يعملون على التشكيك الدائم فيما يخرج عن الفريق الأول، في ذات الوقت الذي يقترحون فيه بدائل لم تصمد أمام الفحص والبحث والنقد.

وإذا كان ذلك واضحا في هذه القضية كل الوضوح، فإن هناك فرعا من فروع العلم الزائف يسمى "الاتصال القديم"، ذلك الذي يزعم أن هناك اتصالا قديما حدث بين مخلوقات ذكية من خارج كوكب الأرض، حيث زارت هذه المخلوقات الفضائيه الأرض في العصور القديمة، وأجرت اتصالا مع البشر، وأنصار هذه النظرية يشيرون إلى أن لهذه الكائنات الفضائيه الدور في تعليمنا للمعارف، أي أن جميع معارفنا الحالية هي نتاج التزاوج الذي حدث بين هذه الكائنات والبشر. ثم غادروا الأرض بعد ذلك.
ولقد استخدم أصحاب هذه النظرية الحضارات القديمة من فرعونية وسومرية وبابلية وهندية وصينية، بل وحضارة الأمريكتين قبل أن يكتشفهما كولومبس لتعزيز نظريتهم هذه، واستخدموا صورا، على وجه التحديد من صور الحضارة السومرية، والفرعونية للتأكيد على رحلات فضائية مزعومة قادمة إلى الأرض، بل واعتبروا الهرم الأكبر، بعد أن نفوا عن المصريين بناء الأهرامات، حيث يزعمون أن هذه الكائنات الفضائيه هي من قامت ببنائها، باعتباره منطلق للرحلات الفضائية، وكان صاحب هذه النظرية اليهودي زكريا سيتشين، الذي وظف كل الحضارات القديمة لنظريته، والذي زعم أن هناك ١٢ كوكبا للشمس، من بينها كوكب لا وجود له من الأصل عند علماء الحقيقيين، وهو كوكب نيبيرو، الذي تم ذكره في الأساطير البابلية، والذي زعم أن يسير بطريقة بيضوية...يستكمل.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط