الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مفتي الجمهورية: الشريعة الإسلامية حرمت الغش بكل أنواعه

الدكتور شوقي علام،
الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية

أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن الغش في الامتحانات حرامٌ شرعًا، وهو من أخطر المشاكل التي تواجه العملية التعليمية؛ لاشتماله على كثير من المفاسد الأخلاقية والاجتماعية، ولما فيه من الإثم والعدوان والخروج عن مُقتضى الفضائل والمكارم التي يجب على المسلم التحلي بها، علاوة على أن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- قد حذر من الغش في أحاديث عدة حتى عده الفقهاء من الكبائر.

وأضاف « شوقي» في إجابته عن سؤال: « ما حكم الغش في لجان الامتحانان؟» عبر البوابة الإلكترونية لدار الإفتاء، أنه يستوي في تحريم الغش في الامتحانات أن تكون في المواد الأساسية أو التكميلية أو في امتحانات القدرات للالتحاق بالكليات أو غيرها، ويدخل فيه أيضًا الغش البسيط الذي يحتاج الطالب فيه إلى من يذكره ولو بجزء قليل من الإجابة أو المعلومات ليتذكر بقيتها؛ فكل ذلك منهيٌّ عنه، ومخالف للشرع والقانون.

وأوضح مفتي الجهورية أنه يأثم شرعًا من يعين غيره على الغش، وكذلك المراقبُ المتهاون في أداء عمله وضبط اللجنة القائم عليها؛ سواء كان ذلك بمساعدة من يطلب الغش أو بترك الفرصة له أو بتجاهل منعه والإبلاغ عنه، ويصدق عليه حينئذٍ أنه متعاونٌ على الإثم والعدوان، مؤكدًا أن دار الإفتاء المصرية إذ تبين هذا الحكم الشرعي، توصي الطالب بتقوى الله -عز وجل- وبالحرص على التحلي بالفضائل ومكارم الأخلاق والتعاون على البر والتقوى، كما توصيه بالاعتماد على نفسه، وبالجِدِّ والاجتهادِ، والإخلاصِ لله تعالى في تحصيل العلم.

ونبه الدكتور شوقى علام أن الشريعة الإسلامية حثت على الأمانة والصدق وطلب العلم وإتقان العمل الصالح وبذل النصيحة النافعة للآخرين؛ ليقوم الناس بالقسط ويسود العدل والإحسان بين الناس، وذلك وفقًا لمكارم الأخلاق التي بعث الله -تعالى- نبيه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ليتممها؛ ففي الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» أخرجه أَحْمَدُ في "مسنده".

ولفت إلى أن الغِشُّ في اللغة: نَقِيضُ النُّصْح، وَهُوَ مأْخوذ مِنَ الغَشَش المَشْرَب الكدِر، وأن العلامة محمد بن علان البكري الصديقي الشافعي يقول في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" : [الغش بكسر الغين أي: ترك النصيحة والتزيين لغير المصلحة]، مبينًا: الامتحان: عبارة عن تكليف طالب العلم بإجابة أسئلة في علم أو أكثر لمنحه شهادة رسمية من جهة مؤسسة تعليمية تكشف عن مستواه في استيعاب المادة العلمية نظريًّا أو تطبيقيًّا.


وأشار إلى أن الغش في الامتحانات يقصد به اعتماد الطالب في إجابته عن أسئلة الامتحان على أمر خارج عن ما حصله في ذهنه من العلم الذي يمتحن فيه، وذلك بطريقة فيها مخادعة للجهة التي تقوِّم مستواه العلمي، كاختلاس نقل الإجابة أو بعضها من شخص آخر أو من كتاب أو مذكرة أو تسجيل صوتي ونحو ذلك، وقد يتمّ الغش أيضًا بتسريب أسئلة الامتحان وتداولها بين الطلاب لمعرفة إجاباتها قبل حضور الامتحان.

وواصل أن هذا النوع من الغش والخداع يندرج كغيره في مسمى الغش المحرم، الذي يتنافى مع أخلاق الإسلام ومقاصده وأحكامه؛ حيث يشتمل على كثيرٍ من المفاسد الأخلاقية والاجتماعية، مما يجعل ذلك من أخطر المشاكل العصرية التي تواجه العملية التعليمية وما يتبعها من عمل غير الأكفاء وتصدرهم في مختلف الوظائف التي يراد بها إقامة مصالح المجتمع، وحرمان المستحق ذي الكفاءة من شغل تلك الوظائف وتقديم المنفعة الكبرى والخدمة الجيدة لأفراد المجتمع، ولا شك أن في ذلك ضررًا، و"لا ضرر ولا ضرار في الإسلام".

واستشهد بقول الله -عز وجل-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58]. يقول العلامة محمد بن علان البكري الصديقي الشافعي في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (8/ 421) بعد ذكر الآية الكريمة: [ومن أشد الإِيذاء: الغش؛ لما فيه من تزيين غير المصلحة، والخديعة؛ لما فيها من إيصال الشر إليه من غير علمه].

ونوه مفتي الجهورية أن الشريعة الإسلامية حرمت الغش بكل أنواعه؛ سواء كان في البيع أو في غيره من المعاملات بين الناس؛ لما فيه من الإثم والعدوان والخروج عن مقتضى الفضائل والمكارم التي يجب على المسلم التحلي بها؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، أخرجه مسلم.


واستدل بما روى عن ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ»، أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" و"الصغير" بإسناد جوَّده ابن حجر الهيتمي في "الزواجر"، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"، وفي رواية: «الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْخِيَانَةُ فِي النَّارِ»، أخرجه أبو داود عن الحسن مرسلًا.

ونوه أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حذر من الغش وتوعد فاعله؛ فقد أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي».

وذكر: قَالَ أَبو عُبَيْدَةُ: مَعْنَاهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلاقِنا الغِش، وَهَذَا شَبِيهٌ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ: ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ»، أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، وهذا  النهي والوعيد يدل على تحريم الغش مطلقًا سواء كان الغش في البيع أو في غيره من المعاملات بين الناس.

وألمح: يقول شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر: [عَدُّ هَذَا -يعني الغش في البيع وغيره- كَبِيرَةً كما هُوَ ظَاهِرُ بَعْضِ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ... ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ، لَكِنَّ الَّذِي فِي "الرَّوْضَةِ" كَمَا مَرَّ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِيهِ. وَضَابِطُ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَعْلَمَ ذُو السِّلْعَةِ مِنْ نَحْوِ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ فِيهَا شَيْئًا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مُرِيدُ أَخْذِهَا مَا أَخَذَهَا بِذَلِكَ الْمُقَابِلِ... وَالْأَحَادِيثُ فِي الْغِشِّ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ كَثِيرَةٌ مَرَّ مِنْهَا جُمْلَةٌ، فَمَنْ تَأَمَّلَهَا وَوَفَّقَهُ اللهُ لِفَهْمِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا انْكَفَّ عَنْ الْغِشِّ وَعَلِمَ عَظِيمَ قُبْحِهِ وَخَطَرِهِ وَأَنَّ اللهَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَمْحَقَ مَا حَصَّلَهُ الْغَاشُونَ بِغِشِّهِمْ] .

وأردف: يقول شيخ الإسلام ابن حجر أيضًا: [وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ غَيْرُ الْبَائِعِ كَجَارِهِ وَصَاحِبِهِ وَرَأَى إنْسَانًا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ الْعَيْبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَ مَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بَيَّنَهُ»، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَهْتَدُونَ لِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ، يَمُرُّ الشَّخْصُ مِنْهُمْ فَيَرَى رَجُلًا غِرًّا يُرِيدُ شِرَاءَ شَيْءٍ فِيهِ عَيْبٌ وَهُوَ لَا يَدْرِيهِ، فَيَسْكُتُونَ عَنْ نُصْحِهِ حَتَّى يَغُشَّهُ الْبَائِعُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ، وَمَا دَرَى السَّاكِتُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ شَرِيكُ الْبَائِعِ فِي الْإِثْمِ وَالْحُرْمَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَالْفِسْقِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَهُوَ أَنَّ الْغَاشَّ الَّذِي لَمْ يُبِنْ الْعَيْبَ لِلْمُشْتَرِي لَا يَزَالُ فِي مَقْتِ اللهِ أَوْ لَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». 

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَاشَّ سَنَّ تِلْكَ السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ وَهُوَ كَتَمَهُ لِلْعَيْبِ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ، فَكُلُّ عَمَلٍ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ يَكُونُ إثْمُهُ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ مَا يَرْدَعُ الْغَشَّاشِينَ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ مِنْ حَيِّزِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: 43]. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ» أَيْ صَاحِبُهُمَا فِي النَّارِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْخِيَانَةُ فِي النَّارِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ» أَيْ مَاكِرٌ] ـ