"البارون إمبان".. ما لم تعرفه عن ذاك البلجيكي الثري مؤسس الحي الهادي الارستقراطي – هيليوبوليس – في شرق القاهرة، أنه صاحب فكرة أول مهرجان للطيران عرفته مصر مع أوائل القرن العشرين، بعدما اشترى من الحكومة المصرية آنذاك آلاف الأفدنة الصحراوية لإقامة مدينة الشمس إحياءً للمدينة القديمة "عين شمس" التي اندثرت وكانت قريبة من تلك المنطقة منذ آلاف السنين ولم يبق منها غير مسلة مشهورة وبعض الآثار القليلة الباقية.
حينها خطط "البارون إمبان" الأرض التى حصل عليها من الحكومة المصرية بسعر جنيها للفدان الواحد، قرر أن تكون مبانيها على الطراز العربي لتحتفظ بطابعها المميز، ولكي يبيع قطع الأراضي الاستثمارية رأي أن يقوم بعمل دعاية فريدة وغريبة من نوعها في ذلك الوقت من خلال إقامة مهرجانا للطيران، فبدأ في توجيه الدعوة إلى ثلاث عشر نجمًا من نجوم الطيران العالميين ليحضروا لمصر بثمانية عشر طائرة، يحلقون بها في مجموعة مباريات مقابل حوافز ثمينة لمن يستطيع أن يطير أطول مسافة أو أعلى ارتفاعا أو يسابق منافسيه للوصول من صحراء هليوبوليس إلى أهرامات الجيزة.
ورغم أيا من هؤلاء الطيارين العالميين لم ينجح في اتمام هذه الرحلة التي لا تتعدى ثلاثين كليو مترا، إلا أن المهرجان الذي شهدته ساحة مدينة الشمس في حضرة قصره الهندوسي الأوربي الطراز، كان النواة لإنشاء أول ناد للطيران في الوطن العربي فيما بعد وهو نادي الطيران المصري رأسه في ذلك الوقت الأمير أحمد فؤاد والذي أصبح فيما بعد ملكا على مصر والسودان وانضم إلى الاتحاد الدولي للطيران FAIبنهاية الحرب العاملية الأولى.
وكان مثل هذا المهرجان نقطة البداية لكي ينطلق الشباب المصري ساعيًا وراء حلم التحليق في الفضاء فكانت محاولات شباب مصر في ذلك المضمار موازية لشباب العالم وإن سبقت مصر فيه العديد من باقي دول العالم.
ذاك المهرجان الذي شهدته المدينة الارستقراطية العتيقة، هو الثالث في سلسلة مهرجانات الطيران العالمية بعد مهرجاني فرنسا وأمريكا للطيران، وبرغم هموم المصريين بالتحرر ذاك الوقت من الاستعمار البريطاني والتخلص من آثاره إلا أنهم كانوا يتابعون أخبار الطيران بشغف.