الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أردوغان.. هل يجعل قواته لقمة سائغة لأبطال الجيش المصري؟


ليس سهلا على المرء أن يصم الآذان عن قرع طبول الحرب التي تصدر بين الأطراف المتحاربة في ليبيا، فصهيل الدبابات وصليل الأسلحة يكاد يصم تلك الآذان، والبيانات التي تصدر من هنا وهناك تبدو وكأنها تهيئ الأنصار هنا وهناك لمعركة حامية الوطيس يهدف من خلالها الغازي التركي من السيطرة على سرت والجفرة، هاتين النقطتين اللتين حددهما الرئيس عبد الفتاح السيسي كخط أحمر غير مسموح بتجاوزه، وهو ما يمثل مأزقا كبيرا لحكومة السراج العميلة والتي استعانت بحليفها، بل إن شئنا التعبير الصادق، بالمحتل التركي، الذي أعلن أنه جاء لإرث الأجداد، وجاء ليبقى في ليبيا كولاية عثمانية قديمة، يريد إحياءها.


إن عدم استيلاء حكومة الوفاق الليبي، غير الشرعية، حيث لم تحظ بتأييد البرلمان الليبي، كما اشترط على ذلك اتفاق الصخيرات، يعني أن كل الجهد الذي تم، ورهن القرار الليبي، الذي ارتضته حكومة فايز السراج، في يد تركيا، وتحمل نفقات وأجور عشرات الآلاف من المرتزقة السوريين الذين تم تهريبهم بواسطة المخابرات التركية، وكذلك أطماع المختل التركي في الثروة النفطية الليبية، كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وتصبح تلك المغامرة الأردوغانية، ليست صفرية فحسب، بل تكبده خسائر فادحة، مرة في الأرواح التي لا قيمة لها عنده، وأخرى في المعدات، كما تم من تدمير منظومة دفاع جوي التي كانت قد أقامتها تركيا، فضلا عن تلك الأسلحة والذخائر التي استخدمت للتنكيل بالشعب الليبي الرافض للاحتلال العثماني لبلده.


إذًا كما يبدو، من خلال هذا الطرح، فلابد أن تتقدم القوات التركية للسيطرة على سرت والجفرة، أولا لتضبط المعادلة على مائدة المفاوضات السياسية، إن كان هناك نية لدى تركيا للوصول لذلك، وكما أعلنت ذلك على لسان وزير خارجيتها، ثانيا لتعويض تلك الخسائر الكبيرة التي تجشمتها تركيا في مغامرتها بالدخول إلى الأراضي الليبية، ثالثا وهذا هو الأهم هو الحصول على العوائد المالية من النفط، لتغطية النفقات الباهظة للمعركة ولأنها الهدف الحقيقي من احتلال ليبيا، أعني الاستيلاء على الثروة النفطية.


ولكن هذه الخطوة التي هي هدف استراتيجي للمحتل التركي قد واجهت بالحسم المصري الصادر عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي أكد أن مصر لن تسمح لكائن من كان بتخطي هذا الخط الأحمر، وعاد أمس الرئيس السيسي وأكد في كلمات حاسمة حازمة قاطعة قدرة الجيش المصري "الرشيد" على تغيير المعادلة العسكرية في ليبيا بسرعة وحسم، وكانت مصر قد أقامت العملية حسم ٢٠٢٠ على حدودها الغربية منذ عدة أيام، والتي شارك فيها سلاح البحرية المصرية التي يأتي ضمن المراكز الست الأولى لبحريات العالم، وهو ما اعتبره المراقبون رسالة تحذيرية لتركيا.


ولقد ذكرنا في مقال سابق، أن الرسالة المصرية قد وصلت لتركيا، وأنه على الرغم من الإعلان عن الاستعدادات لتجاوز الخط الأحمر الذي حدده الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن ذلك لن يحدث، بعدما شاهدت واستمعت تركيا اللهجة القاطعة لرئيس مصر، القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية المصنفة التاسعة بين جيوش العالم، وهو ما يعكس تلك القوة الكبيرة، التي يعلمها الجميع وفي مقدمتهم تركيا، التي ذاقت في القرن التاسع عشر مرارات الهزائم على يد أبطال هذا الجيش، تلك الهزائم التي عجلت بزوال أسوء أنواع الإمبراطوريات في التاريخ.


ولو حاولنا أن نتلمس في قراءة دقيقة المشهد الإقليمي والدولي، فإننا نلحظ بوضوح شديد الدعم العربي للموقف المصري متمثلا في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة للموقف الجزائري الذي يرفض رفضا قاطعا وجود قوات أجنبية على الأراضي الليبية، وهو يعني هنا بوضوح القوات التركية، حيث لا يوجد قوات لدول أخرى حتى اللحظة في ليبيا، وكذلك الموقف التونسي الذي عبر عنه الرئيس التونسي في فرنسا، أما عن الموقف الأوروبي، فهو في مطلقة مساندا للرؤية المصرية، ذلك الذي يظهر في أشد صوره على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فضلا عن الموقف في دولتي قبرص واليونان المعاديتين لتركيا، والتي تشهد علاقتيهما بها أسوء العلاقات، وذلك بسبب محاولة القرصنة التركية على غاز شرق المتوسط، بالإضافة لتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، ذلك الذي أثار حفيظة، ليس فقط الدول الأوربية، بل مسيحيي العالم أجمع.


أما الموقف الأمريكي الغامض في الملف الليبي، فهو فقط الذي لا يمكننا أن نحدده، فعلى الرغم من التصريحات التي تخرج من الجانب الأمريكي، والتي يمكن أن يفهم منها أنها ضد التدخل العسكري التركي، فإنها، ولا شك، قد سمحت لتركيا بنقل آلاف المرتزقة السوريين إلى ليبيا، أو بألطف تعبير قد غضت الطرف على عمليات النقل هذه. وإن كنا نرى أن سماح أمريكا بهذا، يأتي في إطار خلق مشكلات لروسيا في ليبيا، حيث إن هناك توغلا روسيا في أماكن كانت تعد حكرا على الوجود الأمريكي.


إذًا هذا هو المشهد، الذي لو أضفنا له رفض الشعب الليبي للوجود التركي، والذي عبر عنه يوم أمس مشايخ القبائل الليبية في اجتماعهم مع الرئيس عبد الفتاح، ومن ثم تلك المقاومة المتوقعة من قبل الشعب الليبي لهذا المحتل البغيض، إضافة لبعد المسافة بين القوات التركية الموجودة في ليبيا، وبين قواعدها الأصلية في الأراضي التركية، وعدم السماح لها بالإمدادات وقطع الطريق عليها للوصول لأرض المعركة في ليبيا، فإن كل ذلك يصب، في تصورنا، في عدم محاولة تخطي الحد الأحمر الذي حدده الرئيس عبد الفتاح السيسي.


والذي لو غلب نزق أردوغان حكمة القادة العسكريين في جيشه، وحاول تخطي هذا الحد، فإنه في هذه الحالة يغامر بفناء قواته في ليبيا، حيث ستكون لقمة سائغة لأبطال القوات المسلحة المصرية.


وإن كنت أظن أن السياسة التركية ستظل تعمل على الوصول بالأمر لحافة الهاوية والتراجع قبيل أن يصدر الأمر من بين شفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتنظيف ليبيا من المرتزقة، ومن القوات التركية الغازية المحتلة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط