الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عاشق الساكس.. سمير سرور مشوار مزيكاتي عابر للأجيال | الحلقة الأولى

عزاف الساكسفون سمير
عزاف الساكسفون سمير سرور

التاريخ 9 مارس 1968، المكان داخل سينما قصر النيل، الجمهور بكامل أناقته يجلس منتظرًا بشغف وفرحة حفل العندليب الذي يقام في عيد الأضحى، القلوب تنتعش لسماع أغنيته الجديدة، والفرقة تستعد لإطراب الحضور، إلا أن إسماعيل يحيى سرور كان يرتجف من داخله وتتسارع دقات قلبه كلما حان الوقت لفتح الستار، والجلوس أمام الحشد الكبير، وإعلان حليم عن أغنيته "جانا الهوى" التي يقدمها لأول مرة، وتحوي مقدمتها على صولو لآلة "الساكسفون". 

الأمر ليس بسيطا وسهلا، فعمالقة الفن والغناء ترتعب مع بداية كل حفل، فما بالك بشاب يبدأ رحلته في هذا العالم أمام أحد كبار المغنيين المشهورين، ومع الفرقة الماسية التي شكلت جزءًا كبيرًا من تاريخ الأغنية المصرية.

ومع انتهاء الوصلة الأولى التي غنى فيها عبد الحليم أغنية "المسيح"، وإعلانه عن "جانا الهوى" التي ألفها محمد حمزة ولحنها بليغ حمدي، بدأت آلات الكمان بالانطلاق وبعدها قام سمير سرور الاسم الذي اشتهر به عازف "الساكسفون" ليعزف الصولو الخاص به، والذي حاز على إعجاب الجمهور، وأصبح معروفًا ومشهورًا به لدرجة أنه أعاده خلال حفل آخر بتونس أكثر من 10 مرات بناء على طلب العندليب وفقا لما قاله نجله أحمد سرور في حوار لـ"صدى البلد".


هكذا كانت بداية مشوار الفنان سمير سرور الحقيقية، في عالم الفن والعزف على الساكس ومعرفة الجمهور به، برغم نشأته منذ ميلاده في 26 أبريل عام 1933 بالسيدة زينب، على الموسيقى حيث كان والده يعمل عازف ترومبيت بالموسيقى العسكرية في قصر عابدين، إلا أن حبه لتلك الآلة الغربية دخل قلبه عندما ذهب ذات مرة إلى السينما وشاهد في أحد الأفلام الأجنبية عازفين لـ الساكس، ما شد انتباهه إليه وإلى طريقة أدائهم عليه، ليخرج من السينما بعدها وهو يحلم بأن يكون واحدًا منهم.

وقتها كان في الـ 15 من عمره، ويعمل بمطبعة البرلمان بشارع محمد علي إلى جانب دراسته، إلا أن الألة كانت تشغل تفكيره بالكامل، ما جعله يدخر من مصروفه للذهاب يوميًا إلى السينما لمشاهدة هؤلاء العازفين والتركيز على أدائهم.

وذات يوم، عرض على والده فكرة حبه لـ"الساكس" ورغبته في تعلمه، لكن الأب رفض الأمر بسبب الدراسة وانشغاله عنها، لكن مع إلحاحه رضخ لمطلبه لكن بشرط هو الالتزام بالمذاكرة وإلا أبعده عنها، ومن هنا ترك العمل في المطبعة، وذهب إلى التدريب على الآلة المغرم بها بمساعدة صديق والده عازف الساكس بالموسيقى العسكرية، فكانت التدريبات شاقة جدًا، لأنها آلة من الصعب تعلمها لكنه كان أسرع من تعلم العزف عليها برغم سنه الصغير وفقًا لما قاله نجله أحمد.

وبعد اكتساب الخبرة وإظهار التفوق، بدأت الرحلة الأولى لـ سرور، بعدما وافق قائد السلاح البحري على طلبه ليكون أحد العازفين بالآلة داخل فرقة السلاح، واستمر عمله بها لعدة سنوات، لكن الأمر كان روتينيا، وكان الشاب يريد التعرف عن قرب على المطربين والفنانين في هذا الوقت والحلم بالعزف وراء أحد العمالقة، ما جعله يترك السلاح ويعمل مع عازفي السيرك والأفراح وأعياد الميلاد، بعد أن طور الساكسفون وطوعه ليعزف الموسيقى ببصمة مصرية، مستخدما نغمة الربع تون، التي كانت تجذب آذان الملحن بليغ حمدي.


ويقول أحمد سرور: "في يوم كان يرتجل والدي بعض القطع الموسيقية خلال إحدى حفلات عيد الميلاد بحضور عدد من المطربين والفنانين وشاهده بليغ حمدي الذي انبهر بشدة بأدائه واتفق معه على لقاء آخر خاصة أنه استمع قبل ذلك لمقطوعة قدمها سرور مع فاروق سلامة بعنوان "نوال".

وذات يوم طلب بليغ من "سمرة" حسبما كان يناديه أن ينتظره على مقهى التجارة في شارع محمد علي، وعندما تقابلا ذهب به إلى شقته، وطلب منه أن يعزف له بالساكس جملة موسيقية من أغنية "جانا الهوى" التي قدمها حليم على المسرح قبل عرضها في فيلم "أبي فوق الشجرة"، لينبهر بها، ويذهب به إلى حليم ليسمعها لأول مرة، والذي أعجب بها جدا وأخذ يرقص فرحا بها وتنبأ له بمستقبل باهر وشهرة واسعة.

وبالفعل بدأ سمير  سرور طريق الشهرة مع حليم، حيث نشأت بينهما حالة انسجام واضحة ظهرت على المسرح وفي الحفلات بمصر والبلاد العربية فقدم معه "أي دمعة حزن لا" و"كامل الأوصاف"، و"حاول تفتكرني"، والتي كان العندليب يهتم فيها بظهور الصولوهات المنفردة في مقدمات أغانيه، وهو ما شجع عازفي الفرقة الماسية على تقديم أجمل ما لديهم لإمتاع الجمهور.


وبرغم أن بليغ وحليم كانا سببًا في شهرة سرور حسبما أكد نجله، لكنه لم يتوقف عن التعاون عندهما، فكان الساكس آلة مهمة في أغنية "يا خلي القلب"، العمل الوحيد الذي اشترك فيه سمير سرور، مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، الذي كان يرفض فكرة التشابه مع ملحن آخر، لكن عندما طلب حليم في جلسة بمنزله من "سمرة" عزف جملة موسيقية من الأغنية، وهو يتصل بـ عبد الوهاب، رد الأخير بمقولة "أحسنت يا سمرة"، ووافق على إدخال الساكس في لحنه.


أما التعاون مع كوكب الشرق، فكان له سحر آخر فالوقوف ورائها له هيبته كما أنها كانت ترفض التجديد ودخول آلات غربية في أغانيها والالتزام برونق الآلات الشرقية، وعن هذا الأمر يقول نجل سمير سرور: "كانت فرصة مهمة ونجح أبي معها في عملين ألف ليلة وليلة وفات الميعاد".

وعن اللقاء الأول مع أم كلثوم، يقول "أحمد" "فوجئ سرور بـ طلب الذهاب لـ بليغ فورا.. وعندما وصل قال له:  خير!.. فرد عليه بليغ قائلا: "محتاج اسمع الجملة دي منك".. ولما عزف انبهر بليغ وقاله: "عملتها أحسن من اللي عايزه.. وعندما بدأ في إعادتها مرة أخرى في منزل أم كلثوم، وجد صوتا قادما من ورائه يقول له "أحسنت يا سمير.. عندك حق يا بليغ".. ليتفاجأ بالسيدة أم كلثوم هي التي تتحدث.

وبعد ذلك، طلبت وقتها أم كلثوم إعادة سمير الجملة، لكنه أصبح متجمدا وقتها لا يستطيع العزف، فهيبة الست أفقدته القدرة على العزف، لكنها أخذت الأمر بشكل ساخر، وقال له ضاحكة: "أوعي تعمل كده أمام الجمهور".

ونجح عاشق الساكس في تقديم جملة في "فات الميعاد" و"ألف ليلة وليلة" بأسلوب مميز، لكن التعاون مع كوكب الشرق توقف عند هاتين الأغنيتين، نظرًا لأنها رفضت عزفه مع مطربين أخرين والالتزام معها فقط، لكن "سرور" كان يطمح للعمل مع آخرين والوصول إلى العالمية.

وتوالت الأعمال عليه مع كبار عمالقة الزمن الجميل فمع شادية قدم أغاني "أنا وقلبي" و"رنة قبقابي"، أما فايزة فتعاون معها في أغنيتي "يا أمه يا هوايا" و"حبيبي يا متغرب"، ومحمد رشدي في "ميتى أشوفك" وعدد كبير من الفنانين، وأصبح معروفًا في المجال بـ"سمير ساكس" أو عاشق الساكس كما لقبه أحد التونسيين لشدة إعجابه به.

وفي الحلقة الثانية من "سمير سرور مشوار مزيكاتي عابر للأجيال" سنتعرف على طريق عاشق الساكس بعد وفاة عبد الحليم والعمل مع جيل التسعينات، وتكوين فرقة مستقلة وفرقة أخرى مع كتكوت الأمير، وقصة تعاونه بالصدفة مع كاظم الساهر، والتعاون مع نصر محروس، وتفاصيل أواخر حياته.