الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سياسة برائحة البارود.. أردوغان عالق في مغامرات عسكرية لا يستطيع حسمها.. تطهير مؤسسات الدولة والجيش انتهى بفخ لاستعراض العضلات.. والخطاب الوطني المتشدد يتحول إلى مأزق

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

الصراع بين أرمينيا وأذربيجان آخر مسارح استعراض العضلات العسكرية التركية
القوة العسكرية حجر زاوية السياسة الخارجية التركية منذ 2015
محاولة الانقلاب العسكري في 2016 الفاشل عززت رواية الدولة المحاطة بالأعداء
المغامرات العسكرية لم تأت بالنتائج التي كان أردوغان يرجوها  

من بين جميع القوى الدولية المعنية بالصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورنو كاراباخ، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحده هو من دعا نظيره الأذري إلهام علييف إلى مواصلة الحرب حتى السيطرة على الإقليم.


وبحسب إذاعة "بي بي سي" البريطانية، فالصراع حول إقليم ناجورنو كاراباخ ليس سوى المسرح الأخير حتى الآن الذي تخوض فيه تركيا مغامراتها العسكرية الممتدة من ليبيا إلى شرق المتوسط إلى سوريا، فمنذ اللحظة الأولى لتجدد الاشتباكات الأرمنية الأذرية أواخر الشهر الماضي، شرعت تركيا في إمداد أذربيجان بالأسلحة والمرتزقة السوريين.

وأوضحت الإذاعة أنه خلال السنوات القليلة الماضية فقط أطلقت تركيا 3 عمليات عسكرية لغزو شمال سوريا، ووسعت وجودها العسكري في ليبيا لدعم ميليشيات حكومة الوفاق في طرابلس، وكثفت حضور قواتها البحرية في شرق المتوسط لحماية عمليات التنقيب غير المشروعة عن الغاز الطبيعي، وصعدت عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني جنوب شرقي البلاد.

وبالإضافة إلى ذلك، مدت تركيا قواعدها العسكرية إلى قطر والصومال والبلقان وأفغانستان، فيما يُعد أضخم مسعى للتمدد العسكري منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية قبل قرن من الزمن.

وأضافت الإذاعة أن اعتماد تركيا على القوة العسكرية لتأمين مصالحها هو حجر الزاوية في عقيدة سياستها الخارجية الجديدة المعتمدة منذ عام 2015، تلك العقيدة التي تنبذ الانخراط في ترتيبات تعاونية دولية وتدعو إلى التحركات المنفردة والمعادية للغرب في معظم الأحيان.

وتصوغ عقيدة السياسة الخارجية التركية الجديدة تلك رؤية لتركيا بوصفها دولة محاطة بالأعداء تخلى عنها حلفاؤها الغربيون، ومن ثم ينبغي عليها تبني سياسة خارجية استباقية ترتكز على خوض مغامرات عسكرية استباقية خارج حدودها، والتخلي شبه التام عن أدوات الدبلوماسية والثقافة والتجارة في العلاقات الدولية.

شكلت محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016 حجر زاوية ودفعة إضافية للسياسة الخارجية التركية الصدامية الجديدة، فوفقًا للرواية الرسمية كان مدبر الانقلاب هو حليف أردوغان السابق ورجل الدين التركي المقيم بالولايات المتحدة فتح الله جولن.

أعقبت محاولة الانقلاب الفاشل حملة تطهير طالت عشرات الآلاف من العاملين بمؤسسات الحكومة والجيش والقضاء، حيث شرعت تحل محلهم عناصر أكثر ولاء لرؤية حزب العدالة والتنمية الحاكم القومية المتشددة.

وعززت محاولة الانقلاب أيضًا من رواية النظام التركي حول تعرض تركيا لحملة عدوانية وحصار غربي، تلك الرواية التي توفر بدورها مبررًا كافيًا لسياسة خارجية صدامية استباقية أحادية الجانب وأكثر اعتمادًا على القوة العسكرية من الدبلوماسية.  
 
وفي هذا المناخ الوطني المتشدد، كان من السهل على أردوغان تسويغ إطلاق سلسلة من العمليات العسكرية لغزو شمال سوريا لضرب مشروع دويلة كردية تقوم على أنقاض سوريا الموحدة، وتكون ظهير داعم لحزب العمال الكردستاني التركي الذي تصنفه أنقرة رسميًا كمنظمة إرهابية.

وفي ليبيا، شرعت تركيا في توسيع وجودها العسكري بشكل مطرد، لدعم ميليشيات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج في طرابلس، في مواجهة الجيش الوطني الليبي، كجزء من استراتيجية أوسع لتأمين هيمنة عسكرية في منطقة شرق البحر المتوسط بما تضمه من ثروة هائلة من الغاز الطبيعي.

وفي سبيل الاستغلال غير المشروع لثروة الغاز في شرق المتوسط، وقعت أنقرة مع حكومة الوفاق اتفاق لترسيم الحدود البحرية شكل اعتداءً سافرًا على حقوق دول أخرى وسيادتها على مياهها الاقتصادية الخالصة، وبالتحديد اليونان وقبرص.

وبموازاة ذلك، أرسلت تركيا، ولا تزال، بعثة تنقيب تلو الأخرى في حماية سفنها الحربية، تجوب مياه شرق المتوسط وتخترق المياه اليونانية والقبرصية باحثة بشراهة عن حقل غاز طبيعي هنا أو هناك.

ومع كل ذلك، ووفقًا لإذاعة "بي بي سي"، لم يحقق التمدد العسكري التركي في سوريا وليبيا وشرق المتوسط النتائج التي كان يرجوها أردوغان.

ففي نهاية المطاف، لم تنجح العمليات العسكرية في القضاء التام على القوات الكردية في شمال سوريا، ولم يغير اتفاق الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوضع القائم في شرق المتوسط، والذي تراه أنقرة في غير صالحها.

وعلى الجانب الآخر، عمقت المغامرات العسكرية التركية النفور الغربي من أردوغان، وأفضت إلى توحيد لاعبين إقليميين ودوليين جهودهم لتقليم أظافر السلطان التركي وطموحه غير العقلاني، لا سيما في شرق المتوسط.

وأضافت الإذاعة أن مصيرًا مشابهًا ينتظر المغامرة العسكرية التركية الأخيرة في إقليم ناجورنو قره باغ، تلك المغامرة التي أوجدت فرصة نادرة لتقاطع المصالح الروسية والغربية على صد التدخل التركي في الصراع بالقوقاز.

على أن المشكلة الآن بالنسبة لأردوغان أن القوى القومية المتشددة التي ورط نفسه في تحالف معها بالداخل تدفع بإلحاح في اتجاه عسكرة علاقات تركيا الخارجية، قاطعة خط الرجعة على أي محاولة للتعقل والتراجع.

والآن بات على أردوغان الاختيار بين الانصياع لأهواء التحالف القومي المتشدد وتحمل المزيد من الخسائر في شعبيته، أو الرضوخ لضغوط الشارع المطالبة بالتعقل ووقف المغامرات الخارجية والمخاطرة بخسارة التحالف الذي يبقي على سلطته مستقرة.