الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.إنجي فايد تكتب: دولة القانون والطلاق 2

صدى البلد

قال( فلان) للمرأة (فلانة) لقد هجرتك بصفتك زوجة.. طلقتك وليس لي عليك أية حقوق باعتباري زوجا لك، وأنا الذي قلت لك:" اتخذي لنفسك زوجا آخر، فلن أقف عقبة أمامك في أي مكان تذهبين إليه، كي تتزوجي فيه، ولن يكون لي الحق في أن أقول إنك زوجتي إذا ما وجدتك مع أي رجل آخر، فمنذ الآن ليس لي أي مطالب عندك بصفتك زوجة، ولن اتخذ أي إجراء ضدك وملتزم بحقوقك كما وردت". كان هذا ترجمة لإحدي وثائق الطلاق في مصر القديمة، وتعود الي عصر الملك أحمس الثاني ( الأسرة ٢٦ عام ٥٤٢ق.م)،  وما وصل إلينا عن وثائق الطلاق ليس بالكثير،  فعدده ١٠ وثائق وجدوا في طيبة كتبت بالديموطيقية، سطورها وصياغتها تنم عن وثيقة احترام وثيقة تسمي "إحقاق حق" .

 فالمصري القديم لم يخطئ في أمور الدنيا الي حد كبير،  فنظمت تشريعاته كل ما يتعلق بالزواج والطلاق دون إبهام،  وأعطي لكل فرد في المجتمع أكثر من فرصة ليحيا حياة جديدة ومستقرة إذا لم ينجح في الزيجة الأولي. ولا يعني هذا أن المصري القديم استهتر بالعلاقة الزوجية،  بل علي العكس نراه يحب الاستقرار الي حد كبير.  ونتبين ذلك من بردية كتاب "تفسير الأحلام" الذي يرجع للدولة الوسطي،  وما شعر به المصري القديم من انزعاج لفشل زيجته حيث ورد في الكتاب " إذا رأي رجل سريره يحترق، يفسر بطلاقه، وإذا رأي رجل في منامه أنه يضع كرسي في سفينة فإنه مؤشر لطلاقه". وكان المصري القديم الزوج يهب لزوجته بيتا خشية أن يموت ويطردها أحدا منه.

لقد وصلت المرأة المصرية الي مركز محترم بين سائر نساء العالم القديم، فنجد في تشريع "حامورابي" - في الفقرة ١٤١ - إذا أراد الزوج أن يطلق زوجته فليطلقها ولا تعطي شيئا مقابل طلاقها. والفقرة ١٤٢ و١٤٣ من هذا القانون تتحدث أن المرأة إذا كرهت زوجها وتركت البيت تذهب الي بيت والدها ولا تطلق وإذا لجأت للمحكمة وحكمت لصالحا فحينئذ تطلق.

 ففي عقود الزواج المصرية التي ترجع للعصر البطلمي،  نجد بها فقرة: "في اليوم الذي أطلقك فيه أو الذي تريدين فيه أن تخرجي من بيت الزوجية بإرادتك فسأعطيك جهازك المذكور أعلاه".. لغة واضحة بسيطة ومحترمة،  هناك العديد من الأدلة التي توضح تقنين الزواج والطلاق،  وكيف للمصري القديم من حكمة لانجاح هذ العلاقات .. أتعجب من حالنا اليوم وبعد أن أنار الله لنا حياتنا بتعاليمه وتشريعاته الرحيمة، لا نسلك في قانون الأحوال الشخصية ما يراعي المرأة المطلقة بعد أمد من العمر، وقال الله عز  وجل في كتابه الكريم في سورة الطلاق آية ٢٣١

 (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

فالقانون البشري الحالي يفتقد  لروح القانون الإلهي، فنجد المرأة تربي وتدعم وتضحي ثم تجد نفسها بلا مأوي بعد طلاقها من زوجها بعد ٢٠ عاما من العشرة أو أكثر.. ونجد القانون لا يتعامل بإحسان مع هذه  المرأة وتظل تائهة في أروقة المحاكم ولا تعلم أين تبيت ومن أين تعيش؟.. ليس من العيب أن تتغير مشاعر الرجل تجاه زوجته أو أن يكرهها بعد أمد،  فالقلوب تتغير- حتي أننا ندعو المولي عز وجل بأن يثبت قلوبنا علي دين الحق- فما بالنا بميل قلب الرجل  الي امرأة آخري غير زوجته..وهنا نأتي للأمر الأهم، حيث ينسي الرجل العشرة الماضية وتصل الأمور الي طرد الزوجة من مسكن الزوجية، فسلوك الرجل – ليس كل الرجال بطبيعة الحال-  يكون جافا ومنافيا لتعاليم الدين السمح، الأمر الذي يدعوني للمناداة بإعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية والاهتداء الي قانون وتطبيق سليم  ليحمي المرأة المطلقة غير الحاضن ويؤمن لها حياة محترة وراقية كانت تحياها قبل تقلب قلب زوجها.. علي  أن ينظر في أمر النفقة والمتعة بما يتناسب مع التداعيات الاقتصادية  للعصر الذي نعيشه.

كلي  ثقة بأن السيد الرئيس سيلبي النداء،  فلا يخلو مؤتمر أو لقاء إلا ويؤكد الرئيس دعمها لللمرأة العاملة والمعيلة، ويوجه بسرعة اتخاذ اللازم ومراعاة دورها المجتمعي والمدني بما يتناسب مع أسرتها لأنه يسعي لتحقيق مجتمع مصري صالح وناجح.

الفكرة الأهم في هذه السطور،  هو الفهم قبل الحكم، وأن الحكم علي الشئ فرع من تصوره. ولعلي أتعجب من رجل يقبل يد أمه ويحرص علي حماية بناته ويغضب ويثور لأخته، ثم يلقي بشريكة حياته في غياهب الحياة حتي لو كره.

وللحديث بقية..