الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فِقه المهرجانات

 

يكتب أحدهم أو إحداهن منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي بلغة عامية ركيكة لا تخلو من أخطاء لغوية فجة وينطوي على فكرة خاطئة بالأساس أو حتى بلا فكرة، فتجد سيلاً من التعليقات المجاملة والمديح والإطراء الذي يجعل مَن يتابع ذلك يشك في قدراته العقلية أو في مدى دقة إبصاره، فكيف لهؤلاء أن يعيشوا هذا الكم من الزيف والنفاق الذي يصيب مَن يصادفه بالغثيان
قد أستطيع فهم أن تأتي هذه المجاملات وذلك النفاق في التعليق على صورة شخصية أو أمر فيه تباين في وجهات النظر، أما أن تكون هكذا على منشورٍ بهذه السطحية وتلك اللغة التي تشي بتدني مستوى المعرفة والتعليم لدى الناشر، فهذا غريب!

لكن الأغرب أن أحد هؤلاء المتابعين الجهابذة، عندما وجد هذا الكم من الإعجاب بتلك المنشورات العجيبة لم يكتف بالمجاملة بوضع قلب على إحداها أو كتابة تعليق من نوع أن هذا هو الفكر الملهم الذي سيؤثر في تقدم البشرية، بل إن هذا الجاني قد أتى بما هو أخطر حيث قام بنشر بضع كلمات من تلك المنشورات في أحد المواقع الإلكترونية المجهولة - من باب المجاملة - وبنفس اللغة العامية وبما فيها من أخطاء على أن ذلك (مقال) لأحد المواهب الجديدة!

ومن هنا قامت الدنيا ولم تقعد، وعجت صفحة (الموهبة الجديدة) بالمنشورات المحتوية على رابط المقال في هذا الموقع الذي قام بتلك الجريمة وتبارت صفحات الأصدقاء من الرجال والنساء في عمل عشرات ومئات المنشورات لمشاركة (المقال) أيضاً احتفاءً بهذا الإنجاز التاريخي ووقوفاً بجانب من أبدع هذه الكلمات وتلك الأفكار القيمة!

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقام أحد المتابعين الآخرين بالتجويد في المجاملة فأخذ نفس النص الذي تم نشره على ذلك الموقع الإلكتروني المجهول، ونشره في إحدى المطبوعات المغمورة، فكيف له أن يقف هكذا دون ابداء الحماس لذلك الإبداع
وهكذا تتشابك الخيوط لإتمام جريمة جديدة - قديمة لصناعة وهم وتضخيمه بسبب المجاملات أو النفاق أو لوجود مآرب لا نعلمها لدى كل من يشترك في تلك الجرائم

ربما يفسّر ذلك لكثير من المندهشين أسباب انتشار بعض من يقومون بغناء ما يسمى بالمهرجانات، وتلك الشهرة المليونية والتحوّل إلى ظاهرة وسط مجتمعنا الذي جعل من هؤلاء نجوم مجتمع يتم تداول أخبارهم على مدار الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شاشات القنوات الفضائية حتى لو كانت كل تلك الأخبار مخالفات يقومون بها أو أعمال من شأنها استفزاز الناس

وهنا يجب أن ننظر إلى أسباب تغير المزاج العام والذوق لدى العديد من المتابعين والداعمين لانتشار مثل هؤلاء وشهرتهم بهذا الشكل، أهذه الجماهير هي امتداد لتلك التي كانت تقرأ للعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وزكي نجيب محمود وغيرهم من الكتّاب والمفكرين كما تستمع لأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وغيرهم من نجوم الفن في ذلك العصر؟

إن المسؤولية الملقاة على التعليم في مراحله الأولى لتشكيل فكر النشء بلا شك كبيرة، كما أن الآباء في المنازل لا يجب أن يتركوا أبناءهم للعالم الافتراضي ليعبث بذوقهم ويهدم هويتهم بهذا الشكل، وإنما لا بد من الدخول إلى عالمهم ومساعدتهم على بناء الهوية السليمة حتى لو تمت الاستعانة بخبراء في هذا المجال، كما أن للإعلام دور مهم في هذا الشأن يجب أن يطلع به لإنقاذ أجيال تتخطفها أمواج الجهل من كل اتجاه
ففي الجهل قبل الموت موتٌ لأهله… وأجسادهم قبل القبور قبور
وإن امرءاً لم يحيِ بالعلم ميتٌ .... وليس له حتى النشور نشور

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط