الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ليلى موسي تكتب: أفغانيات يكسرن حاجز الصمت في مملكة الظلام

صدى البلد

في الوقت الذي بات فيه حضور المرأة في الحياة العامة، ومشاركتها في قيادة المجتمعات من المعايير والمؤشرات الدالة على تمتع تلك المجتمعات بالحالة الصحية والرقي والتقدم الحضاري. وعلى هذا الأساس تعالت الأصوات والدعوات لفتح المجال أمام النساء للانخراط في مجتمعاتهن من أوسع الأبواب، وضمان حقوقهن دستورياً، بما يضمن مساواتهن مع الجنس الآخر وحمايتهن من التمييز والعنف، وضرورة تبوأ مراكز صناع القرار...إلخ.
وحتى لا تبقى مشاركة المرأة شكلية،  كانت هناك - وما زالت- جهوداً حثيثة تبذل للعمل على تمكين وتنمية المرأة على كافة الأصعدة عبر المؤسسات النسوية والإنسانية؛ الأمر الذي يحتم ضرورة دعم هذه المؤسسات، وفتح المجال أمامها وبشكل خاص المؤسسات النسوية لتمثيلهن في المحافل الدولية والمحلية، للمطالبة بحقوقهن وإنصافهن. إلى جانب قيام هذه  المؤسسات في تنمية وتمكين المرأة، لرفع سوية وفعالية مشاركتها في كافة الجوانب الحياتية والمجتمعية. وقد استطاعت هذه المؤسسات من إحداث بعض التطورات في هذا المنحى؛ وإن لم تكن بحجم الاضطهاد والتعنيف، ودرجة الاستعباد التي تتعرض له المرأة.
بالرغم من قناعة وإدراك المجتمع الدولي بأن تقدم المجتمعات وتطورها الحضاري والإنساني مرهون بمشاركة المرأة وانصافها، وهذا مالم يمكن أن يتحقق إلا ضمن نظم سياسية مدنية علمانية تبنى على أسس المواطنة. نجد اليوم تهافت غالبية الدول على الحوار والتعاون مع حركة طالبان الإسلاموية الراديكالية المتعصبة بعد سيطرتها على البلاد؛ عقب اطلاقها جملة من التصريحات، وذلك بامتثالها واحترامها للقوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبتبنيها سياسة تضمن حقوق المرأة ومشاركتها في الحياة العامة والحكومية. وهو ما يتناقض جوهر الأيديولوجية التي تتباها الحركة، والتي تنظر للمرأة على أنها عورة وناقصة وغيرها من الصفات التي تؤكد بأنها أدنى مرتبة من الرجل.
لذا، لم يكن من قبيل المصادفة أو المفاجئة عندما وجدنا تشكيل حكومة تخلو من العنصر النسائي، إنما هي تجسيد حقيقي وواقعي لحقيقة ومضمون تلك الأيديولوجية التي تؤمن بأن المرأة غير مؤهلة للقيادة؛ وهي بحاجة دوماً وأبداً إلى من يقودها، ومن هذا المنطلق منع خروج المرأة من دون محرم، وفرض لباس معين عليها، لهو أكبر دليل على القيمة والمكانة التي تتمتع بها  المرأة وفق ذهنيتهم الرجعية.
السؤال الذي يطرح نفسه، بالرغم من معرفة ودراية المجتمع الدولي، حقيقة أيديولوجية الحركة وما تحمله من انتهاكات وجرائم بحق المرأة والطبيعة والبيئة؛ وحتى خطورتها على المجتمع الدولي، تهافتت للحوار معها، ووجودها في السلطة نابعة من حالة طبيعية يمر به المجتمع الأفغاني؟
موقف المجتمع الدولي هذا يكشف لنا حقيقته البراغماتية والانتهازية وزيف خطابه الغوغائي؛ الذي طالما تغنى به عبر العزف على وتر حماية حقوق الإنسان. بكل بد وجود حركة بهكذا أيديولوجية تخدم مصالح العديد من القوى والحركات والجهات والدول سواء أكانت إقليمية أو دولية، قيادة أي مجتمع كان بهكذا نمط من الأيديولوجية كافية بخلق مجتمع مليء بالتناقضات وجعله هش وسهل الاختراق؛ كونه يعمل على تغييب العنصر الأهم في المجتمع –النسائي- عبر اقصاءها عن الحياة العامة واستعبادها واضطهادها والتي تأخذ من العنف استراتيجية لتنفيذ أيديولوجيتها.
فالخطورة والتهديد للأمن الوجودي والهوياتي الذي تشكله الحركة؛ لا ستهدف المرأة الأفغانية وحسب، وليست حكراً عليها لوحدها إنما هو تهديد جدي للنساء أجمع، فوجود هكذا حركة في السلطة كافٍ بتدفق الروح وانتعاش العديد من الحركات والقوى الإسلاموية حول العالم. لذا، فالقضية ليست قضية المرأة الأفغانية لوحدها إنما هي قضية المرأة عامة، ولكن ربما يكون التعويل الأكبر على النساء الأفغانيات بمقاومة ومناهضة هذه الحركة على المستويين العسكري والفكري؛ وهو مالم تنجح به السلطات الأفغانية بدعم أمريكي سابقاً؛ حيث تم هزيمة الحركة عسكرياً وعلى مدار عشرين عاماً، وبينما لم تهزم فكرياً والخطورة تنبع من هنا.
فالأيديولوجية طالما بقيت موجودة فهي تعبر عن نفسها متى ما سنحت لها الفرصة، وهذا ما شهدته أفغانستان من تطورات على صعيد هزيمة وعودة طالبان واعتلاءها كرسي السلطة، وعلى اعتبار النساء هن العنصر الأكثر ديناميكية وفعالية في مجتمعاتهن. لذا فالمهمات الأكثر خطورة وصعوبة عادة ما تكون ملقاة على عاتقهن، ولكونهن الأكثر عرضة للاضطهاد والاستعباد، نجدهن دوماً وأبداً في طليعة وريادة شعوبها لتحرير مجتمعاتهن وتقدمها؛ انطلاقاً من هذه الفرضية لم يكن مستغرباً عندما شاهدنا أولى الحركات الاحتجاجية لمناهضة طالبان كانت حركات نسوية؛ بالرغم من راديكالية وتطرف الحركة ولكنهن قاومن بكل عزيمة وإصرار، وكسرن جدار الخوف والظلام في مملكة الظلام التي تقودها الحركة، انطلاقاً من ذلك كبداية فالمرأة الأفغانية جديرة بالتعويل عليها في تغيير مجتمعها وتحريرها من الداخل؛ والمرأة الأفغانية  لديها كل ما تملكه من المقومات التي تؤهلها للقيام بذلك.
فمثلما قامت المرأة في مناطق شمال وشرق سوريا بمكافحة ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي؛ الذي لم يكن أقل خطورة من طالبان بل خطورته وتطرفه في الكثير من الأحيان فاقت حركة طالبان، فثورة المرأة في مناطق شمال وشرق سوريا كتجربة معاشة ناجحة؛ يمكن من خلالها استنباط واستخلاص العديد من الدروس والعبر، بمقاومة ومناهضة المرأة لتنظيم داعش حمت الإنسانية جمعاء من ذلك الإرهاب، ومازالت تناضل في مكافحة أيديولوجيته.
وغالبية الحركات الراديكالية مازالت موجودة بقوة، وتشكل تهديداً حقيقاً عبر خلاياها النائمة، واعتلاء طالبان لسدة الحكم كانت بمثابة ارتداد الروح، ومتنفس لانتعاش هذه الحركات، بالرغم من ذلك كلنا تفاؤل وثقة، مثلما قادت نساء شمال وشرق سوريا ثورتها وحققت انتصارات ومكتسبات حقيقية للمرأة وتحولت إلى أمل للنساء أجمع؛ ستكون نهاية طالبان على يد المرأة الأفغانية، بدعم ومساندة النساء في جميع أرجاء المعمورة على كافة الأصعدة.
فاستمرارية بقاء طالبان بذهنيته تلك في الحكم ماهو إلا استمرارية لاضطهاد واستعباد المرأة واستبدادها، وهي تهديد وخطر على الإنسانية جمعاء والمرأة بشكل خاص.
لذا، فإن حضور المرأة وهي تفرض نفسها بقوة في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها المجتمعات، في ظل رسم خرائط وسياسات مئوية جديدة لقيادة المجتمعات، أصبح ضرورة لابد منها لضمان حقوقها، وهذا مالا يمكن تحقيقه إلا من خلال خوضها نضالات ومقاومات على كافة الأصعدة؛ وبتضافر جهود نسائية عامة، ببناء وإدارة المجتمعات عبر أنظمة مدنية علمانية.