الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مقدرة منذ الأزل .. علي جمعة: الأرزاق نوعان

انواع الرزق
انواع الرزق

قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق إن الرازقُ أو الرّزَّاقُ من صفات الله تعالى لأَنه يَرزُق الخلق أَجمعين ،وهو الذي خلق الأَرْزاق وأَعطى الخلائق أَرزاقها وأَوصَلها إليهم.

أوضح جمعة عبر الفيسبوك أن الأَرزاقُ نوعانِ  ظاهرة للأَبدان كالأَقْوات، وباطنة للقلوب والنُّفوس كالمَعارِف والعلوم.

وأضاف أن لفظ الرزاق أشمل وأعم من لفظ الرازق؛ فالرازق هو الذي يعطي بعض الناس ويمنع البعض الآخر، ولكن الرزاق تتضمن الشمول فالجميع يصله الرزق، التقي والعاصي على حد سواء.
ويؤكد الله تعالي في كتابه أنه هو الرزاق الأوحد لجميع مخلوقاته وأنه بيده مفاتيح الرزق لا يشاركه فيها أحد، ثم ألزم نفسه سبحانه برزق كل مخلوقاته علي حد سواء من عبده منهم  أو من لم يعبده، فقال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].

وبين سبحانه أن أرزاق الخلائق مقدر منذ الأزل وأنه قدرها تقديرا دقيقا لا يظلم معه أحد فقال: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10].

ويحكي التاريخ قصص عجيبة عن تفاعل البشر مع اسم الله الرزاق، ولعل أشهرها ما رواه البيهقي في شعب الإيمان من قصة الأعرابي الذي أتى الأصمعي في البصرة :

" أَقْبَلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ مَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالْبَصْرَةِ فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْضِ سِكَكِهَا إِذْ أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ جَافٍ عَلَى قَعُودٍ لَهُ، مُتَقَلِّدًا سَيْفَهُ، وَبِيَدِهِ قَوْسٌ، فَدَنَا وَسَلَّمَ، وَقَالَ: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ بَنِي الْأَصْمعِ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ الْأَصْمَعِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ مَوْضِعٍ يُتْلَى كَلَامُ الرَّحْمَنِ فِيهِ، قَالَ: أَوَ لِلرَّحْمَنِ كَلَامٌ يَتْلُوهُ الْآدَمِيُّونَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا أَعْرَابِيُّ، فَقَالَ: أَتْلُ عَلَيَّ شَيْئًا مِنْهُ، فَقُلْتُ: انْزِلْ مِنْ قَعُودِكَ، فَنَزَلَ وَابْتَدَأْتُ بِسُورَةِ الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.

 قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: هَذَا كَلَامُ الرَّحْمَنِ؟ قُلْتُ: إِي وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَلَامُهُ أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ، فَقَالَ لِي: حَسْبُكَ، فَقَامَ إِلَى نَاقَتِهِ فَنَحَرَهَا بِسَيْفِهِ، وَقَطَّعَهَا بِجِلْدِهَا وَقَالَ: أَعِنِّي عَلَى تَفْرِقَتِهَا، فَوَزَّعْنَاهَا عَلَى مَنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، ثُمَّ كَسَّرَ سَيْفَهُ، وَقَوْسَهُ، وَجَعَلَهَا تَحْتَ الرَّمْلَةِ، وَوَلَّى مُدْبِرًا نَحْوَ الْبَادِيَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا تَغَيَّبَ عَنِّي فِي حِيطَانِ الْبَصْرَةِ، أَقْبَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَلُومُهَا، وَقُلْتُ: يَا أَصْمَعِيُّ، قَرَأْتَ الْقُرْآنَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَمَرَرْتَ بِهَذِهِ وَأَمْثَالِهَا وَأَشْبَاهِهَا فَلَمْ تَتَنَبَّهْ لَمَّا تَنَبَّهَ لَهُ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لِلرَّحْمَنِ كَلَامًا، فَلَمَّا قَضَى اللهُ مِنْ أَمْرِي مَا أَحَبَّ، حَجَجْتُ مَعَ هَارُونَ الرَّشِيدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ إِذَا أَخْبَرَنَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ بِصَوْتٍ رَقِيقٍ: تَعَالَ يَا أَصْمَعِيُّ، تَعَالَ يَا أَصْمَعِيُّ، قَالَ : فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا أَنَا بِالْأَعْرَابِيِّ مَنْهُوكًا مُصْفَارًّا، فَجَاءَ، وَسَلَّمَ عَلَيَّ، وَأَخَذَ بِيَدِي وَأَجْلَسَنِي وَرَاءَ الْمَقَامِ، فَقَالَ: اتْلُ مِنْ كَلَامِ الرَّحْمَنِ ذَلِكَ الَّذِي تَتْلُوهُ . 

فَابْتَدَأْتُ ثَانِيًا بِسُورَةِ الذَّارِيَاتِ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِهِ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}  صَاحَ الْأَعْرَابِيُّ وَقَالَ: قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ، هَلْ غَيْرُ هَذَا لِلرَّحْمَنِ كَلَامٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَعْرَابِيُّ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} فَصَاحَ الْأَعْرَابِيُّ عِنْدَهَا وَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ، مَنْ ذَا أَغْضَبَ الْجَلِيلَ حَتَّى حَلَفَ؟ أفَلَمْ يُصَدِّقُوهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى أَلْجَؤُوهُ إِلَى الْيَمِينِ قَالَهَا: ثَلَاثًا وَخَرَجَتْ نَفْسُهُ ".