الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عودة مجرمي الحُب.. ومشروع الترميم الفني

صدى البلد

الفن بصفةٍ عامة، سينما، دراما، موسيقى، وغيرها، يُعتبر جزءًا من بناء الدولة، وأحد أهم قواها الناعمة، فالأعمال الفنية ليست مجرد حكايات يُؤديها ممثلون، لكنها رسائل تحمل مغزى يُراد إيصاله، تتسرَّب إلى العقل البشرى رويدًا رويداً، ثم تُلامس مشاعره دون أن يدرى؛ إلى أن يُصبح مُتلقيًا لها عن طوعٍ، وبذلك تستطيع تشكيل شخصيته من خلالها.

عندما كنا صغارًا، أى عبارة عن صفحات بيضاء، نقش الكُتَّاب والمُؤلفون فى أذهاننا كثيرًا من الكلمات والأفعال دون أن نشعر، وأدركنا ذلك بمرور السنين وعند الكِبر.. فلا يُمكن نسيان سعاد حسنى فى فيلم "الزوجة الثانية"، وهى تبكى عند أحد الأضرحة بعينين حزينتين لم تستطع أى كلمات وصفها من شدة الظُلم، وسقوط العمدة الذى ظلمها وانتقام الخالق منه.. كما لا يُمكننا نسيان سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة فى فيلم "لا أنام"، للمبدع إحسان عبد القدوس، وانتظارها لعقاب الله بعد ارتكابها خطأً لا يُعاقب عليه قانون الأرض، ولكن أمره كله بيد دستور السماء، وفى نهاية الفيلم عندما احترقت ليلة زفافها ولم تسأل الله لماذا حرقتنى؛ لأنها تعلم أن الله سيرد ظلمها إليها "فكُل ساقٍ سيُسقى بما سَقى"، وغيرها الكثير والكثير من الأفلام الخالدة التى شكَّلت وجداننا فى وقتٍ من الأوقات.

تدهورت الحالة السينمائية مع التراجع الكبير للأعمال الجيدة، وبقيت الدراما التليفزيونية بأبطالها، كُتَّابًا ومخرجين وممثلين؛ ليساعدونا فى النمو مرةً أخرى.. والمشاهد الرائعة كثيرةٌ، فمن منا يُمكنه أن ينسى مسلسل "ونوس" للمؤلف عبد الرحيم كمال، ومشهد الممثل العالمى يحيى الفخرانى، وكان دوره (ونوس الشيطان)، وهو يسأل الله لماذا لم تغفر لى وأنا لم أُخطئ إلا مرة واحدة.. لماذا تُحب آدم وأولاده أكثر منى وأنا عبدك وهم لديهم من الخطايا ما لا يُعدُّ ولا يُحصى.. وهو مشهدٌ لا يستطيع أحدٌ تأديتة بهذا الإتقان، فالفخرانى نجم كبير، وُلد ليكون فنانًا بل وعالميًا..

أما الموسيقى، ما أدراك ما الموسيقى، هى خمرٌ طيب من الجنة يرفعنا شرابها إلى السماء، وأعتبر أن الذين جاءوا إلى الأرض بعد ميلاد ملحنين أمثال محمد عبد الوهاب وبليغ حمدى والموجى وغيرهم لم يستمتعوا بموسيقاهم، فهم موتى ولم تُفارق أرواحهم أجسادهم بعد بيننا، فنحن لسنا ممن "هان الود عليه"، ولا ضيعنا آذاننا بالصخب الجارى من قرود اليوم حاليًا.

الفن عنوان ثقافة الشعوب وطريقها لمن أراد التعرُّف عليها واكتشافها، فأمريكا صاحبة أفلام هوليوود تستطيع معرفة شعبها من أفلامها، وشعب أمريكا شعب ظلمته سياسة بلده الجائرة، ولكن أنقذته تلك الأعمال الفنية الرائعة التى صنعتها دورها السينمائية.. وفى زمن الأبيض والأسود كانت المسافة بين السينما المصرية وسينما هوليوود ليست بالبعيدة، ولكن هوليوود تقدَّمت مع تقدُّم دولتها، بينما توقَّفت السينما المصرية؛ لعدم الاهتمام بالفن واعتباره عيبًا وحرامًا، حتى أضحت خالية من أى فنٍ.

مُؤخرًا بدأت مهرجانات السينما العربية تُطالب بترميم أفلامنا العالمية للعرض مُجددًا، واستجابت الدولة، وبدأت فى استعادة هذه الكنوز وترميمها للعودة إلى الزمن الجميل ثانيةً، وتعليم الأجيال كيف يُمكن للفن أن يكون قِبلةً للتغيير والتربية.. أتمنى من كل فنانٍ أصيل يعشق مصر أن يُعيد تفكيره ويسأل نفسه عما يعود من فائدة على الشعب من أعماله (غير الماديات)، وكيفية تغيير المجتمع للأفضل، وتعليم مَنْ يُشاهدونه الحُب لأهله ولوطنه ولكل ما خلق الله، وتعليمه كيف يعمل للبناء والتعمير، لا للهدم والتدمير.

لدىَّ أملٌ أن يستعيد الفن لدينا مكانته الحقيقية التى يستحقها، ليكون أقوى فى التأثير إيجابيًا على المجتمع، وأن يتذكَّر فنانو مصر ماذا فعل مَنْ كانوا قبلهم مع الدولة وقت أزماتها مثل كوكب الشرق أم كلثوم، وملاك الرحمة تحية كاريوكا فى السِّلم والحرب، وأتمنى أن يعود مجرمو الحُبِّ إلى سكناتهم لينشروا الحُب، فالحُب مثل علامات التشكيل التى لا يُمكن (نطق) الكلمات صحيحًا دونها، وشكرًا لكل من اهتم بترميم أفلامنا الجميلة.