الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دين في رقبتي .. عمار يا مصر

نهى زكريا
نهى زكريا

خرجت مصر عقب أحداث يناير وثورة يونيو وما سبقهما من عقودٍ زمنية طويلة أُهملت فيها البنية التحتية للدولة إهمالًا تامًا، خلافًا لترك تحديث معدات الجيش وآلاته، وهو رمز العِزَّة والقوة لأية دولة، ثم انعدام الأمن بإضعاف الشرطة، وانهيار الاقتصاد الوطنى الذى أصبح فى جيوب أشخاصٍ يُعدون على أصابع اليد الواحدة، يتحكَّمون فيه قيامًا وقعودًا وسيرًا ووقوفًا، وكلها عوامل هدمٍ لا يُمكن لأى وطنٍ أن يتحمَّلها فى العالم، لكن مصر الأبيَّة فعلت بعزيمة مُخلصيها المُحبين لترابها الطاهر، فعقدت بهم العزم على النهوض مرةً تلو المرة، وبدأت مرحلة الإصلاح والبناء مُمسكةً برباطة جأش شعبها، فصنعت من المستحيل مُمكنًا ومن اللاشىء كل شىء، لكن الرياح كما يُقال تأتى بما لا تشتهى السفن، فخلال الرحلة الشاقة والمؤلمة، فوجئت الدولة كغيرها من دول العالم بتقلُّبات الطبيعة، وغدر البشر، إذ حلَّ فيروس كورونا ضيفًا ثقيلًا على الأرواح وما تملك، تبعته حربٌ عصيَّة على التوقُّف "روسية - أوكرانية"، ألقت بظلالها على ما تبقى من الأخضر واليابس، فطالت نيران الأوبئة والدمار معًا الجدران المنيعة على الاختراق، فحطَّمت عوازلها الدفاعية، فلم يكن بإمكانها أن تصمد فى وجه التيار، وصار الجميع يشكى مُر الشكوى من الأزمات المُتكالبة المُستعرة.

نعم؛ الكل فى أزمة، وإن كنا كمصريين شعرنا بها مُتأخِّرًا، لكون العمل كان مُتواصلًا فترتين، صباحًا ومساءً، وعلى مسارين، أحدهما إصلاحىٌّ صِرف، والثانى اجتماعىٌّ حِمائىٌّ، بحيث ألا يطغى شِقٌ على شِقٍ، فتميل الكفة، ويثقل الحِمل فى جهةٍ ويهوى الطريق، وما كان لعاقلٍ أن يُفكِّر فى وضع خُططٍ إصلاحية لبلدٍ خرج لتوِّه من بين فكى الفساد والإرهاب، إلا أن يكون أبًا لأسرة يُسابق الزمن لئلا يترك ذريته من خَلفه ضعافًا تتلقَّفهم الملمات عند أول عاصفة، هكذا كانت عَقيدة الجندى المصرى منذ الأزل، وعلى ذلك تربَّى، تحمُّل المسئولية، والوقوف بصدره العارى؛ ذودًا وتعميرًا وإصلاحًا، وابنًا وأخًا، يمد ذراعيه لإخوانه؛ يدًا تبنى،  وأخرى تمسك السلاح.

لا يجوز أبدًا أن نُلقى باللوم على الدولة ولا بالسخط على قادتها ومسئوليها فى هذا الظرف العصيب، لأنهم تصدُّوا للمسئولية فى وقتٍ فرَّ منها مَنْ كان يأملها أيام مجدها ورخائها، بل يجب مساعدتهم ودعمهم، فهى دولة الجميع، إن لم يكن بمواصلة بالعمل، فأقله بالكلمة أو التزام الصمت؛ حتى تنقشع الغمة ويذهب ريحها، فلا جَلد الدولة يخدم أحدًا فى شىء، ولا التنظير ونحن جلوسٌ يُغيِّر القدر المكتوب، وإنما مطلوبٌ أن يُصلح كلٌّ منا نفسه فيما وُلِّى وما أُوكل إليه، وأن يلتزم باختصاصه الذى الذى حباه الله العقل له، فليس معقولًا أن نُصاب جميعنا بالتوحُّد فنُصبح كلنا اقتصاديين أو سياسيين أو اجتماعيين، ولكن الطب للطبيب، والتشييد للمهندس، والتعليم للمدرس، والقيادة للرئيس وحكومته التى اختارها.

وعلى نهج الدولة فى طرح المبادرات الخادمة للشعب، يحضرنى حلٌّ لأزمة الدولار الحالية، ربما يكون مبادرةً لتوفير العملة الصعبة دون الحاجة لمزيدٍ من الاقتراض ورفع سقف الدين الخارجى، وبأموالٍ مصرية عن طيب خاطر، بحيث يستفيد الطرفان، الدولة والمواطن معًا، وهو أن تتبنى الدولة مبادرةً دولاريةً لرجال الأعمال وكبار وصغار المستثمرين باسم "دين فى رقبتى.. عمار يا مصر"، بموجبها يتم فتح محفظة ببنك خاص، يودع فيها المستثمر مبلغًا مُقدَّما على سبيل سداد مُستلزماته من الجهات الرسمية الخاضعة للدولة مُسبقًا، فى مقابل ذلك يحصل على امتيازات ولتكن نسبة خصم ٥% من الضريبة، ومن المُنتج، وأى طرحٍ تُقدمه الدولة مدة وضع الوديعة بالمحفظة، على أن تكون مشروطة الحلول بنحو ٥ سنوات، وهنا تُوفر الدولة عملتها الصعبة المطلوبة وتُسدد التزاماتها الآنية، ويُمكنها تكوين احتياطٍ نقدى دولارى وطنى، على أن تكون جهة الالتزام أحد البنوك الخاصة، لتوفير الوسيط الذى لا يخشاه المستثمر، بالابتعاد عن جملة جهة تابعة لها، وبهذا نوفِّر ما نحتاجه ونقضى على أزمة الدولار..

الوديعة الدولاية هذه أو تلك المحفظة المُقترحة، تُعدُّ دينًا لدى الدولة للمستثمر المحلى والأجنبى العامل على الأرض، ووفاءً من الطرف الأخير للدولة التى يبغى استقرارها حمايةً له ولاستثماراته، تُسدده الدولة كاملًا بعد مضى مدة السنوات المحددة، وتقدم له مقابل ذلك حوافز استثمارية مميزة فى نشاطه الذى يعمل فيه وتُعطيه أولوية أولى فى الطروحات التى تطرحها من أراضٍ والقيام بتنفيذ مشروعات وغيرها، مع الالتزام بمبدأ «وثيقة ملكية الدولة» التى تحدد دور الدولة فى النشاط الاقتصادى ووضع إطار سليم للتعاون بين الدولة والقطاع الخاص وضبط العلاقة بينهما، لتكون صحية مؤدية لتنمية حقيقية، وهذا موضوع أكبر بكثير وأهم من تنفيذ برنامج تقليدى للخصخصة، وهذا بالاتفاق على المبلغ المُقدم من رجل الأعمال على قيمة الوديعة وحسب حجم رأسمال تكون المميزات والحوافز المُقدمة له.

إن هناك الكثير من عُشاق مصر خارجيًا أكثر من داخليًا يتمنون المساعدة لتوفير الدولار، ولكن لا يعرفون الطريق الذى يمكنهم من خلاله المساعدة بصيغة فردية بعيدًا عن تعامل الدول المبرم باتفاقيات طويلة المدى بعيدة التنفيذ، كما أن هناك من المصريين الذين لا يزالون على اقتناع تام بأن فوائد البنوك حرام، ومن هنا استغلهم البعض بعمليات النصب مثل (المستريح)، فيُمكن عمل إدخالهم بأسهم على مشروعات جارية مع تحديد نسبة ربحٍ آمنة من عوائدها، ليكون العائد أو الفائدة غير ثابتة وإنما نابعة من المكسب والخسارة، ويمكن أن يُدير هذه المشروعات رجل أعمال أو جهات حكومية شريطة أن تكون مشروعات قومية مضمونة النجاح بنسبة عالية.

الهدف من إنشاء المحفظة الدولارية، سداد جزء من ديون مصر، وأن تكون غير خاضعة فى البداية لعمل مشروعات، ويمكن إضافة نسبة من مكسب المشروعات الأخرى لتسديد قرض الصندوق.. جميل ألا ينسى إخوتنا العرب جَميل الأخت الكبرى مصر، وهذه فكرة مُبسطة عن محفظة قابلة للتعديل بالشكل الذى يُرضى جميع الأطراف، وأتمنى أن تعود على بلدنا بالنفع والنجاح إن وجدت مكانًا للتنفيذ، وكلنا نبغى من وراء ذلك الخير لبلادنا، لأن أم الدنيا لكل الدنيا.