"نيران صديقة".. دراما مصرية تفجر قضية سياسية عراقية عمرها 25 عامًا
أثار عرض مسلسل درامي مصري خلال شهر رمضان الحالي الرأي العام والحكومة في شمال العراق، بعدما فجَّر قضية سياسية تتعلق باعتقال السلطات العراقية خلال عام 1988 آلاف الأسر الكردية في إطار حملة عسكرية ضد المعارضة سُميت بـ"الأنفال".
وانتقامًا من تلك الأسر عمدت السلطات العراقية - بحسب المسلسل الذي حمل اسم "نيران صديقة" - إلى نقل 18 من فتيات تلك الأسر إلى مصر للعمل في ملاهٍ ليلية هناك.
ويبدى صاحب ملهى ليلي بمصر خلال الحلقة الخامسة من المسلسل اعتراضًا على قيام مساعده بتشغيل 18 فتاة عراقية ذوات أصول كردية في ناديه كراقصات، ويرد المساعد أن هناك من أمره بفعل ذلك، لتظهر الأحداث أن والد صاحب الملهى هو من سهل ذلك، فيدور حوار ساخن بين الأب والابن.
يطلب الولد تفسيرًا من والده عن سبب دفعه بتلك الفتيات للعمل في ناديه، فيبرر الوالد أنه فعل ذلك لأنه "أفضل لهن من أن يقتلهن الرئيس العراقي (السابق) صدام حسين، كما فعل مع ذويهن"، فيأتي رد الولد "كان الأفضل لهم لو قتلهن، لكن أصبحن شهيدات بدلاً من أن يعملن راقصات"، وينتهي حوارهما باتهام يوجهه الابن لوالده بأنه بات يعمل عمل "العصابات" بدل أن يعمل كرجل أعمال.
المتحدث باسم وزارة الشهداء بحكومة إقليم شمال العراق، فؤاد عثمان يعلق على هذا المسلسل بقوله لمراسل الأناضول للأنباء "القضية كبيرة تستدعي متابعة من الحكومة لها".
ويضيف "سبق أن تمت متابعة الموضوع إثر الحصول على وثيقة مخابراتية عراقية بعد الإطاحة بنظام حكم صدام حسين في الحرب عام 2003، أظهرت تلك الوثيقة مخاطبة داخلية بين المخابرات جاء فيها أن 18 من الفتيات الكرديات المعتقلات جاهزات لإرسالهن إلى مصر للعمل في الملاهي هناك".
ويمضى عثمان قائلاً "سنذهب في وفد من وزارة الشهداء إلى القنصلية المصرية الثلاثاء القادم، في أربيل لنعرض الموضوع عليهم ونطلب مساعدتهم في الوصول لأولئك الفتيات".
وتوقع المتحدث باسم وزارة الشهداء أن "تتعاون القنصلية المصرية معهم في متابعة القضية لأن لمصر مصالح هنا"، مستطردًا "نريد أن نعرف من أين أتى مخرج وكاتب المسلسل بمعلومات قضية هؤلاء الفتيات".
وتقول السلطات الكردية إن السلطات العراقية "اعتقلت 182 ألف شخص خلال حملة الأنفال بينهم نساء وأطفال، ونقلتهم أولاً إلى معسكرات اعتقال جماعية قبل أن تنقلهم إلى مواقع أخرى ثم تصفيهم سرًا وتدفنهم في المناطق الصحراوية بجنوب البلاد".
وتمكنت السلطات في إقليم شمال العراق بعد العام 2003 من التوصل إلى موقع عدد من المقابر الجماعية التي دفن فيها ضحايا النظام السابق واستعادة رفات نحو 3 آلاف منهم، وتتواصل عملية البحث عن رفاة الباقين.
بهذا الخصوص قال مدير عام ديوان وزارة الداخلية بحكومة إقليم كردستان العراق، طارق كردي، لمراسل الأناضول إن "حكومة الإقليم تعد الكوادر المتخصصة التي بإمكانها إجراء فحوص الحمض النووي على رفات الضحايا في عملية الأنفال".
من جانبه، أوضح الكاتب والباحث العراقي المتخصص في قضية "الأنفال"، عارف قورباني، أن الموضوع حساس جدًا، يضع حكومة إقليم شمال العراق أمام مسؤولية تاريخية، عليها أن تتحرك بإرسال وفد رفيع إلى الخارجية المصرية لتعقب الموضوع والوقوف على حقيقته، وليس إرسال طلبات وكتب ومخاطبات حول الموضوع.
وقال قورباني لمراسل الأناضول "إذا ظهر أن الموضوع صحيح فمن حقنا أن نشتكي السلطات المصرية لدى الأمم المتحدة ونطالبها بالتعاون وتقديم الاعتذار للشعب الكردي، وإذا لم يكن للموضوع أساس فعلى حكومة الإقليم إغلاق الملف وإعلان ذلك".
ومضى: "بين حين وآخر يفتح الموضوع منذ سنوات وبه تفتح جراح أقرباء ضحايا الأنفال، القضية كبيرة تتعلق بشرف الأسر".
وكانت السلطات العراقية في ظل حكم صدام حسين على صلة وثيقة مع كل من مصر واليمن والأردن، وكانت الدول الأربعة منضوية في تحالف يطلق عليه مجلس "التعاون العربي".