كشفت الخبيرة البريطانية في شؤون الشرق الأوسط، سانام فاكل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، أن إسرائيل باتت تواجه عزلة غير مسبوقة على الساحة الدولية، بعد مرور 19 شهرًا على اندلاع حرب غزة، لكنها لا تزال تصر على مواصلة عملياتها العدوانية وخططها التوسعية، في ظل حكومة يمينية متشددة بقيادة بنيامين نتنياهو.
وقالت فاكل في تحليل نشرته صحيفة الجارديان البريطانية إن موجة الإدانات الدولية الأخيرة، وعلى رأسها مواقف المملكة المتحدة وفرنسا وكندا، التي جمدت محادثاتها التجارية مع إسرائيل وفرضت عقوبات على مستوطنين ومنظمات متورطة في عنف الضفة الغربية، تعكس تحولًا ملموسًا في المزاج الدولي. كما دعت هولندا إلى مراجعة اتفاق الشراكة الأوروبية مع إسرائيل، في خطوة تدعمها غالبية دول الاتحاد الأوروبي، بينما وصف رئيس وزراء إسبانيا إسرائيل بـ"الدولة الإبادية".
ولعل اللافت في المشهد، بحسب فاكل، هو تراجع الدعم حتى من الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، التي كانت تعد الأشد تأييدًا لإسرائيل. فقد تجنب ترامب التوقف في إسرائيل خلال جولته الإقليمية الأخيرة، بينما أرجأ نائبه جي دي فانس زيارة كانت مقررة لتل أبيب، ما يشير إلى مسعى أمريكي للنأي بالنفس عن تبعات الحرب المستمرة علي غزة.
رغم هذا التحول، ترى فاكل أن الإدانات وحدها لن تغير من نهج الحكومة الإسرائيلية الحالية. فالتحالف اليميني الحاكم يرى في حرب غزة فرصة تاريخية لتوسيع النفوذ الإسرائيلي تحت ذريعة "الأمن القومي"، بينما يستخدم نتنياهو لغة متطرفة لوصف الصراع بأنه "معركة حضارة ضد الهمجية".
وأكدت الكاتبة أن وقف هذا المسار يتطلب خطوات دولية أكثر جرأة، تشمل فرض عقوبات أشد، والاعتراف الدولي الفعلي بالدولة الفلسطينية، إلى جانب تماسك المعارضة الإسرائيلية في الداخل.
في الداخل الإسرائيلي، يتزايد الغضب الشعبي بسبب استمرار احتجاز الأسرى في غزة، ما أدى إلى احتجاجات حاشدة في الشوارع، تطالب بإنهاء الحرب. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن 67% من الإسرائيليين يطالبون بإنهاء الحرب وإعادة الأسرى. في الوقت نفسه، يواجه نتنياهو معارضة سياسية داخلية متصاعدة بسبب إصلاحاته القضائية المثيرة للجدل، وصراعه الأخير مع رئيس جهاز الشاباك، الذي بلغ حد تدخل المحكمة العليا لمنع عزله.
وأشارت فاكل إلى أن مؤتمرًا سعوديًا-فرنسيًا حول فلسطين سيعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك الشهر المقبل، ينظر إليه على أنه محطة مفصلية. حيث تسعى الرياض وباريس لإعادة تنشيط الجهود متعددة الأطراف للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا سيما وأن 148 دولة بالفعل اعترفت بها رسميًا.
ورجحت الكاتبة أن تستغل فرنسا المؤتمر لإعلان اعترافها بالدولة الفلسطينية، فيما تدرس المملكة المتحدة اتخاذ خطوة مماثلة. وأكدت أن السعودية وضعت شرطًا واضحًا: لا تطبيع مع إسرائيل قبل اعترافها الرسمي بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
وخلصت فاكل إلى أن إسرائيل تقف على مفترق طرق، بين عزلة دولية متزايدة واحتقان داخلي غير مسبوق. ورغم تصاعد الإدانات، فإن تغيير مسار نتنياهو يتطلب استراتيجية دولية موحدة وخطوات ملموسة تضغط على الداخل والخارج، نحو إنهاء الحرب، وتحقيق العدالة، ودفع مسار السلام.