عقد الجامع الأزهر أمس الاثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة)، تحت عنوان "العهود والمواثيق في ضوء وثيقة المدينة المنورة.. دروس من الهجرة"، بحضور: أد عبد الفتاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وأ.د عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وأدار الحوار الشيخ أحمد عبد العظيم الطباخ، مدير المكتب الفني بالجامع الأزهر.
في بداية الملتقى قال فضيلة الدكتور عبد الله النجار، إن الباحث في وثيقة المدينة، يجد أنها أحد الأركان التي أقام عليها النبي صلى الله عليه وسلم مجتمع المدينة بعد الهجرة الشريفة، من خلال بيان الحقوق والواجبات اللازمة لبناء مجتمع إسلامي متكامل، فهي لم تكن مجرد تنظيم إداري، ولكن إطار يحدد الحقوق والواجبات اللازمة لبناء مجتمع وتوازن، وهذا الإطار المستمد من شرع الله، هو السبب في ظهور مجتمع المدينة في شكل حضاري، لأن الإسلام لا يكره أحدًا على العقيدة، وإنما ينظم حركة الناس بما يضمن سعادة الأفراد واستقرار المجتمع.
وأوضح الدكتور عبد الله النجار، أن وثيقة المدينة المنورة لم تكن مجرد صدفة، بل جاءت كضرورة ملحة لضبط وتنظيم مجتمع المدينة الذي كان يتسم بالتنوع الكبير، هذا التنوع، الذي كان يتطلب إطارًا واضحًا لتحديد العلاقات بين الأفراد وضمان استقرار الجميع، حتى أن الدخول إلى المدينة خارج أفراده، وضع له النبي صلى الله عليه وسلم ما ينظمه، من أجل الحفاظ على هوية المجتمع واستقراره وأمانه، كما وضع الحدود المكانية للمدينة، وهو ما عرف فيما بعد باسم ترسيم الحدود، وهو رد على الدعوات التي تنادي بإزالة الحدود بين بعض الأقاليم.
من جانبه قال فضيلة الدكتور عبد الفتاح العواري، إن وثيقة المدينة المنورة تمثل دستورًا يُحتذى به في بناء المجتمعات، لهذا نجد كل القوانين والدساتير التي عرفتها البشرية بعدها والتي تضمن استقرار وأمن المجتمعات، هي انعكاس لما جاءت به وثيقة المدينة المنورة، لأنها شملت الحقوقًا كاملةً للإنسان غير منقوصة، كما تضمنت على كامل الحقوق والواجبات، التي من شأنها أن تحافظ على نسيج المجتمع مهما تشابكت خيوطه، وتعددت أطيافه، وهو ترجمة مدنية لما جاء به القرآن الكريم من أوامر ونواهي، مشيرًا إلى أن وثيقة المدينة المنورة كانت خير دليل على انفتاح المجتمع المسلم وقبوله للآخر مهما كان دينه ولونه وعرقه، لهذا لا تعرف المجتمعات البشرية مجتمعًا أكثر حضارة مما كان عليه المجتمع الإسلامي.
وأضاف الدكتور عبد الفتاح العواري: إن وثيقة المدينة جاءت بالمعنى الحقيقي للمواطنة التي لا تعرف العنصرية لدين أو مذهب أو التشدد لعرقٍ دون الآخر، وعززت معنى مشاركة الجميع في بناء المجتمع، من خلال توجيه التعددية إلى التكامل، مشيرًا إلى أن نقض وثيقة المدينة كان من قبل اليهود الذين خانوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو التزموا بعهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نصت عليه وثيقة المدينة لما حدث خلاف بينهم وبين المسلمين في المدنية، لأن الإسلام بشريعته دين يحترم العهود والمواثيق، ولا يسمح لأتباعه أن يخونوا أي عهود أومواثيق قطعوها، لكنه في نفس الوقت يأمرهم أن يتعاملوا بحزم مع كل من يعتدي عليهم أو يخونهم.
كما أكد فضيلة الشيخ أحمد الطباخ، مدير المكتب الفني للجامع الأزهر، أن الدين الإسلامي اهتم بالمواثيق والعهود بين البشر، لما فيها من تنظيم للعلاقات وضبها، والحفاظ على حركة الحياة في إطارها المنضبط، لهذا قال الحق سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾، لهذا كانت وثيقة المدينة المنورة ضمانة لكي يكون المجتمع قوي من الداخل وقادر على مواجهة التحديات من الخارج، والباحث في تاريخ المواثيق والعهود المدنية، يجد أن وثيقة المدينة هي أول شكل لأشكال هذه المواثيق والدساتير، كما كانت هذ الوثيقة شاملة ومتكاملة، بما يجعلها ضمانة لنجاح أي مجتمع.
يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.