تمر اليوم الذكرى الثانية بعد المئة لميلاد الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، أحد أبرز رموز الصحافة العربية في القرن العشرين، وصاحب البصمة الأعمق في تشكيل الوعي السياسي والإعلامي في مصر والعالم العربي.
ولم يكن هيكل مجرد صحفي، بل كان شاهداً ومؤثراً في مجريات الأحداث الكبرى، مما جعله يستحق عن جدارة لقب "الأستاذ".
نشأة هيكل
وُلد محمد حسنين هيكل في 23 سبتمبر 1923 بقرية باسوس بمحافظة القليوبية، وتلقى تعليمه في القاهرة، منذ سنوات شبابه الأولى، واهتم بعالم الصحافة، فالتحق بجريدة الإيجيبشيان جازيت حيث بدأ محررًا تحت التمرين بقسم الحوادث، ثم عمل بالقسم الألماني، وقد أظهر شغفاً مبكراً بتتبع الأحداث وصياغتها، مما مهّد لانطلاق مسيرته الثرية.
الحرب العالمية الثانية
ومع اشتعال الحرب العالمية الثانية، شارك هيكل في تغطية بعض معاركها وما خلفته من آثار، وهو ما منحه خبرة واسعة في الصحافة الميدانية، وأتاح له فرصة مبكرة للاحتكاك بأحداث دولية كبرى شكلت نظرته العميقة لاحقاً.
مجلة "آخر ساعة"
عام 1945 التحق بمجلة آخر ساعة كمحرر، واستمر بها حتى انتقلت ملكيتها إلى جريدة أخبار اليوم، وخلال تلك الفترة عمل هيكل كمراسل متجول للجريدة، فنقل الأخبار من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، وصولاً إلى كوريا وأفريقيا والبلقان، وفي عام 1951 عاد إلى مصر، ليتولى رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة، إلى جانب منصب مدير تحرير أخبار اليوم، ومن خلال هذه المواقع بدأ يقترب أكثر من الواقع السياسي المصري.
عمود "بصراحة"
وتم تعين هيكل رئيسًا لتحرير جريدة الأهرام بعد تردده في قبول المنصب، لكنه استمر فيه سبعة عشر عاماً كاملة، كما أطلق عموده الشهير "بصراحة" الذي استمر في كتابته حتى عام 1994، وكان نافذة للرأي والتحليل العميق، ومرجعاً للقراء والمهتمين بالشأن السياسي.
قربه من عبد الناصر
ارتبط محمد حسنين هيكل بعلاقة وثيقة مع الرئيس جمال عبد الناصر منذ لقائهما عام 1948 أثناء حرب فلسطين، حينما كان هيكل الصحفي المصري الوحيد الذي تمكّن من الوصول إلى الجبهة، وأصبح بعدها أقرب الصحفيين إلى ناصر ومشارِكاً في صياغة رؤيته السياسية.
اختلافه مع السادات
وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات، كتب عدداً من خطاباته الرسمية، لكن سرعان ما دبّ الخلاف بينهما، خصوصاً بعد حرب أكتوبر، ورفض هيكل نقله من الأهرام إلى قصر عابدين كمستشار، معلناً عبارته الشهيرة: "إن الرئيس يملك أن يقرر إخراجي من الأهرام، أما أين أذهب بعد ذلك فقراري وحدي".
إرث فكري وصحفي خالد
عاش هيكل شاهداً ومحللاً وصانعاً للرأي العام، ترك عشرات الكتب التي وثّق فيها الأحداث الكبرى برؤية الصحفي والمؤرخ معاً، ليبقى أحد أعمدة الصحافة العربية وواحداً من أبرز شهود القرن العشرين على التحولات السياسية في مصر والمنطقة.