ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني عظته الأسبوعية في اجتماع الأربعاء مساء اليوم من كنيسة الشهيد مار جرجس بالقللي.
واستقبل فريق كشافة الكنيسة قداسة البابا بموسيقاه المميزة وشجعهم قداسته والتقطت صورة لهم وهم يحيطون بقداسته ومعه نيافة الأنبا رافائيل الأسقف العام لقطاع كنائس وسط القاهرة الذي تتبعه الكنيسة. كما التقطت صور تذكارية لعمال الكنيسة ومجلسها مع قداسة البابا.
وصلى قداسته صلوات العشية بمشاركة عدد من أحبار الكنيسة، أعقبها كلمة لنيافة الأنبا رافائيل رحب خلالها بقداسة البابا واستخدم الآية "كُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ" (مز ١: ٣) للتدليل على الأعمال الناجحة التي صنعها قداسته منذ تنصيبه، مشيرًا إلى ملتقى لوجوس للشباب كنموذج للأعمال المتميزة العديدة التي أنجزها عبر ١٣ سنة.
ثمار الروح القدس
وأكد نيافته أن من يتعامل مع قداسة البابا يلمس بوضوح أن ثمار الروح القدس حاضرة فيه. وقال موجهًا كلامه لقداسة البابا: "كلنا خاضعين لقداستك" وأضاف: "الكنيسة قائمة بالأبوة، فالأبوة هي التي تضم الجميع، ورأس الكنيسة يحمل لقب البابا".
عُرِض بعدها فيلم وثائقي عن تاريخ الكنيسة حمل عنوان "العلية.. تاريخ إيمان وطنية" رتل بعده كورال شباب الكنيسة بعض الترانيم والألحان الكنسية، وألقى القمص أبرآم نسيم أقدم كهنة الكنيسة كلمة عبر خلالها عن ترحيبه وكهنة وشمامسة الكنيسة وشعبها بمجئ قداسة البابا لزيارتهم وافتقادهم.
بينما استعرض القس إسحق كمال كاهن الكنيسة معالم كنيسة مار جرجس بالقللي بتقنية "360" ونوه خلال شرحه إلى الروح الطيبة التي تسود علاقة كنيستهم بالكنيسة الكاثوليكية المجاورة لها، وكذلك الكنيسة الإنجيلية بالقللي. كما أشاد بالعلاقة الوثيقة مع إخوتنا المسلمين بالمنطقة التي ظهرت في تكاتف وتعاون الجميع لتجهيز الكنيسة لاستقبال قداسة البابا.
وقبل بداية العظة أعرب قداسة البابا عن سعادته بزيارته للكنيسة، واصفًا إياها بأنها كنيسة غزيرة في تاريخها وفي أبنائها وآبائها وإصدارتها. وأثنى على الشعار الوارد في الفيلم الوثائقي: "تاريخ إيمان وطنية" مشيدًا بالتاريخ العريق للكنيسة، وبالإيمان المسلم من جيل إلى جيل فيها. وأكد أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة وطنية وأنها طوال تاريخها كانت حاضرة في الحركة الوطنية، وطوال تاريخها أيضًا مشغولة بخدمة وصيانة وحماية الوطن.
وفي لفتة جميلة أشار قداسة البابا إلى أن الملامح العامة لكنيسة مارجرجس القللي تشبه إلى حد كبير كنيسة الملاك بدمنهور التي تربى فيها قداسته، وأنهما كنيستان تحملان روح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بوضوح.
وأكمل قداسة البابا سلسلة "أصحاحات متخصصة"، حيث تحدث اليوم عن موضوع "صفات المحبة"، وقرأ الأصحاح الثالث عشر من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس وأوضح أن هذا الأصحاح هو أروع ما كُتب في الكتاب المقدس والكتابات الأدبية عن المحبة، وصفًا وتفصيلًا، والكلمتان "محبة LOVE" و "حياة LIFE" في أصلهما اللاتيني لهما جذرًا واحدًا، فالحياة هي المحبة والمحبة هي الحياة.
وقدم قداسته صفات المحبة، كالتالي:
١- "تَتَأَنَّى":
المحبة تتأنى (طول الأناة)، "الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ" (مز ١٠٣: ٨)، وطول الأناة هو علامة قوة، كالإنسان الذي ينتظر دون تذمر، مثال: نوح وبناء الفلك، والمحبة التي تتأنى هي أحد صفات التربية الناجحة، وأحد صفات الزيجة الناجحة، وأحد علامات الصداقة الناجحة.
٢- "تَرْفُقُ":
أحد الأمراض التي يقع فيها الإنسان هي قساوة القلب وعدم الحنية، والخطية تُقسي قلب الإنسان، مثال: العبد أنسيمس الذي كان مسجونًا وتاب على يد بولس الرسول، وكتب عنه القديس بولس في رسالته إلى فليمون، "الَّذِي كَانَ قَبْلًا غَيْرَ نَافِعٍ لَكَ، وَلكِنَّهُ الآنَ نَافِعٌ لَكَ وَلِي، الَّذِي رَدَدْتُهُ. فَاقْبَلْهُ" (فل ١: ١١، ١٢)، وهناك قوة تستطيع أن تُغيّر قلب الإنسان هي الصلاة.
٣- "تَحْتَمِلُ":
المحبة الحقيقية لا تنهار أمام الصعوبات، وتحتمل خطأ الآخر، فالاحتمال قوة، مثال: داود النبي الذي احتمل خيانة ابنه أبشالوم، ويوسف الصديق الذي احتمل ظلم أخوته، وظل أمينًا لله، والسيد المسيح احتمل الصليب والعار، "لَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ" (أم ٨: ٣١).
٤- "تُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ":
المحبة تُصدق كل شيء بالحكمة، وأن يكون لدى الإنسان حسن الظن الحكيم، كما يُصدق وعود الله، مثال: زكريا وأليصابات، "«غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ»" (لو ١٨: ٢٧).
٥- "تَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ":
المحبة لا تفقد الأمل أبدًا، والخادم الجيد يكون له رؤية للمستقبل، فالمحبة ترجو كل شيء، مثال: بطرس الرسول الذي أنكر وظن أنه لا يوجد رجاء، ولكن بعد قيامة السيد المسيح قال له السيد المسيح "قَالَ لَهُ ثَالِثَةً:«يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: «يَارَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ:ارْعَ غَنَمِي" (يو ٢١: ١٧)، وبعد حلول الروح القدس عليه مع التلاميذ ألقى عظة الخمسين النارية.
٦- "تَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ":
كل صفات المحبة متداخلة ولا يوجد واحدة منها منفردة، والصبر هو ركيزة المحبة، "هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ" (رؤ ١٤: ١٢)، مثال: أيوب الصديق، والرسول بولس يقول: "أَقُولُ كَمُخْتَلِّ الْعَقْلِ، فَأَنَا أَفْضَلُ: فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ، فِي الْمِيتَاتِ مِرَارًا كَثِيرَةً... فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ" (٢كو ١١: ٢٣ - ٢٧).
وأشار قداسة البابا إلى أن القديس بولس كتب أن "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا" وهذا ما نسميه "أبدية المحبة"، لأن كل شيء ينتهي إلا المحبة، والمحبة تمتد مع الإنسان في الأرض والسماء.
وأعطى قداسته تدريبًا لنا أن نقرأ الأصحاح كل يوم، ونكتب آياته الثلاثة عشرة مرات ومرات لكي نعيش معانيه الجميلة.
وحرص قداسة البابا على مباركة جميع الحاضرين، ووزع عليهم هدية تذكارية.










