يشهد قطاع الغاز الطبيعي في مصر مرحلة فارقة من النمو والتوسع الاستراتيجي، مدفوعًا بزيادة الإنتاج المحلي، وتدفق استثمارات أجنبية ضخمة، إلى جانب حزمة من الحوافز الحكومية التي تهدف إلى استعادة مكانة البلاد كمركز إقليمي للطاقة.
وبينما ترتفع وتيرة الإنتاج وتُعلن اكتشافات جديدة، تواصل الدولة وضع خطط طموحة لتأمين احتياجاتها المتنامية من الغاز، وتقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، بما يعزز أمنها الطاقوي ويعزز قدرتها التصديرية مستقبلًا.

زيادة إنتاج الغاز الطبيعي
ارتفع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى 4.21 مليار قدم مكعب يوميًا، بزيادة قدرها 110 ملايين قدم عن يونيو الماضي.
وترجع هذه الزيادة إلى الإجراءات التحفيزية التي قدمتها وزارة البترول والثروة المعدنية للشركاء الأجانب، إلى جانب التزام الدولة بسداد المستحقات المتراكمة، ما ساهم في تسريع عمليات ربط المشروعات الجديدة سواء في الامتيازات البحرية أو البرية.
وأنهت شركتي شل وأباتشي خلال الشهر الجاري ربط نحو 160 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز على شبكة الإنتاج، حيث ساهمت "أباتشي" بـ 100 مليون قدم مكعب من امتياز الصحراء الغربية، بينما أضافت "شل" نحو 60 مليون قدم مكعب من حقول البرلس بالبحر المتوسط.
حوافز لتشجيع الاستثمار وزيادة الإنتاج
لتحفيز الشركاء الأجانب، أقرت الحكومة المصرية حوافز جديدة، شملت:
- السماح للشركات بتصدير جزء من حصتها في الإنتاج الجديد واستخدام عائداته لسداد المستحقات.
- رفع سعر شراء الغاز من المشروعات الجديدة ليصل إلى 4.25 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بمتوسط 2.65 دولار في الاتفاقيات السابقة، أي بزيادة تقارب 61%.
هذه الخطوات عززت من جاذبية الاستثمار في قطاع الغاز، وساهمت في إعادة ثقة الشركات العالمية بالسوق المصرية.
اكتشافات وإنجازات "إيجاس"
وفق بيان صادر عن وزارة البترول، حققت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) خلال العام المالي 2024/2025 29 اكتشافًا جديدًا في البحر المتوسط والصحراء الغربية وخليج السويس.
أسفرت هذه الاكتشافات عن إضافة 1.85 تريليون قدم مكعب إلى الاحتياطي المصري.
تم إسناد 9 قطاعات بحث جديدة، والتوقيع على 6 اتفاقيات بإجمالي استثمارات بلغت 479 مليون دولار ومنح توقيع بقيمة 14.5 مليون دولار.
نُفذت 7 مشروعات جديدة لتنمية حقول الغاز و23 بئرًا تنمويًا، باستثمارات بلغت حوالي 1.7 مليار دولار.
كما أرسلت مصر شحنة نادرة من الغاز الطبيعي المسال بحجم 3.75 مليار قدم مكعب إلى أوروبا، ما يعكس قدرة القاهرة على الحفاظ على وجودها في السوق العالمية رغم ضغوط الطلب المحلي.
استثمارات أجنبية جديدة
تخطط شركات أجنبية، بالتعاون مع الحكومة المصرية، لاستثمار نحو 1.6 مليار دولار في 5 مشروعات غاز خلال العام المالي 2026–2027.
وهذه المشروعات تستهدف إضافة نحو 510 ملايين قدم مكعب يوميًا إلى الإنتاج المحلي. ومن أبرزها:
- المرحلة الثانية عشرة من حقل البرلس (شل الهولندية).
- المرحلة الرابعة من مشروع شمال سيناء (أنجلو الفرنسية).
وبالمقارنة، يبلغ حجم الاستثمارات المستهدفة في العام المالي الحالي حوالي 1.5 مليار دولار.
خطة مصر لتأمين احتياجات الغاز
تسعى الحكومة المصرية لتقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، إذ يبلغ الإنتاج الحالي حوالي 4.1 مليار قدم مكعب يوميًا مقابل استهلاك يصل إلى 6.2 مليار قدم مكعب، وقفز إلى 7 مليارات قدم خلال الصيف.
تشمل الاستراتيجية المصرية لتأمين الغاز:
- تسريع استقدام الغاز عبر خطوط الأنابيب من قبرص وإسرائيل.
- تحفيز الإنتاج المحلي عبر الاكتشافات والتنمية الجديدة.
- التوسع في الطاقة المتجددة لتخفيف الضغط على الغاز.
- استيراد الغاز المسال رغم تكلفته المرتفعة.
وتستهدف الحكومة رفع الإنتاج تدريجيًا ليصل إلى 6.6 مليار قدم مكعب يوميًا بحلول 2027، بما يسمح بتغطية كامل الطلب المحلي واستئناف التصدير بشكل مستدام.
ويعكس الأداء الأخير لقطاع الغاز المصري مزيجًا من النجاحات الميدانية، والسياسات التحفيزية، والاستثمارات الأجنبية التي أعادت رسم ملامح خريطة الطاقة في البلاد.
ومن جانبه، أشاد الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، بالخطوات الأخيرة التي اتخذتها الدولة في ملف الغاز الطبيعي، معتبرًا أن ما يحدث يعكس مرحلة نضج واستدامة في القطاع وليس مجرد زيادة وقتية في الإنتاج.
وأضاف الإدريسي في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن رفع الإنتاج إلى أكثر من 4.21 مليار قدم مكعب يوميًا، إلى جانب تحقيق 29 اكتشافًا جديدًا خلال عام واحد، يعكس نجاح السياسات الحكومية في جذب الاستثمارات وتعزيز ثقة الشركاء الأجانب.
وأشار الإدريسي إلى أن الحوافز التي قدمتها الحكومة، مثل السماح للشركات بتصدير حصص من إنتاجها ورفع سعر شراء الغاز بنسبة تتجاوز 60% مقارنة بالاتفاقيات السابقة، كان لها دور محوري في إعادة الحيوية للسوق، وهو ما يفسر تدفق استثمارات أجنبية تتخطى 1.6 مليار دولار في مشروعات جديدة.
وأضاف أن مصر، رغم التحديات المتمثلة في الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، تسير في مسار واضح نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول 2027، بالتوازي مع تعزيز قدرتها التصديرية.
واعتبر أن تصدير شحنة نادرة من الغاز المسال بحجم 3.75 مليار قدم مكعب إلى أوروبا يبرهن على قدرة مصر على البقاء لاعبًا مؤثرًا في الأسواق العالمية.
وختم الإدريسي بأن استمرار هذا الزخم سيؤهل مصر لاستعادة مكانتها كمركز إقليمي للطاقة، بما يضمن لها تنويع مصادر الدخل القومي وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.