لعل ما يطرح أهمية معرفة حقيقة هل المشي على قشر الثوم والبصل أو حرقه يورث الفقر والنكد في البيت؟ هو ارتباطه بأكبر كابوس يؤرق الكثيرين إن لم يكن الجميع، فمن منا يستطيع تقبل الفقر والنكر، بل ويفر منه فراره من الأسد، بل على العكس الرزق وسعته يعد من المطالب الدنيوية التي لا ينقطع الإنسان عن طلبها، وحين يتعلق الأمر بفعل بسيط قد يقع فيه الكثيرون بسهولة ودون انتباه وتكون نتيجته إرثًا من الفقر، فهنا ينبغي الوقوف على حقيقة هل المشي على قشر الثوم والبصل أو حرقهم يورث الفقر والنكد في البيت؟ تجنبًا لهذا الكرب.
هل المشي على قشر الثوم والبصل يورث الفقر؟
قال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن ما يقال عن أن المشي على قشر الثوم والبصل أو حرقه يورث الفقر والنكد في البيت، إنما هو سوء أدب مع قدر الله جل وعلا.
وأوضح "الورداني"، في إجابته عن سؤال: “هل المشي على قشر الثوم والبصل أو حرقه يورث الفقر والنكد في البيت؟”، أن الله سبحانه وتعالى جعل الأقدار على السعي والرحمة والبركة.
وأضاف: “لكن هذا الكلام الذي يُقال هو من التراث الذي يحتاج تنقية، حيث يجعل بعض عقليات الناس ترتبط بالخرافة”، منوهًا بأنه لا دليل من الكتاب ولا السُنة يثبت هذا الكلام عن الثوم.
وحذر من مثل هذه الروايات والخرافات، مؤكدًا أنه ينبغي الابتعاد عنها لأنها للأسف تؤسس في عقول الناس عقلية الخُرافة، كما تجعل الناس لا يُحسنون الظن بالله سبحانه وتعالى.
وتابع: “فلا يمكن تخيل أن الودود الرحيم الكريم سيجعل أقدار الناس التي تتوقف على حُسن تدبير الله تعالى لنا وحُسن اختياره لنا فالله لطيف بعباده، تتوقف على المرور على قشرة ثوم أو بصل”.
وشدد على أن “هذا الاعتقاد لا يصح، فليس هذا أدب مع أقدار الله سبحانه وتعالى لنا ولا أدب مع ما يعاملنا به الله عز وجل من نعم، فالحمد لله على أن نعتقد الاعتقاد الصحيح في معاملة الله تعالى لنا”.
وأشار إلى أنه “تعالى يُعاملنا بود ورحمة ولن يجعل أقدارنا ولا حياتنا ولا سعادتنا أو شقاءنا مرتبط بهذه الأشياء، فليس هناك ما يدل على هذا الاعتقاد بأن المشي على قشور الثوم يورث الفقر”.
وأردف: “بل إنه من الأشياء التي ينبغي الابتعاد عنها باعتبارها من عقل الخرافة، ولنتمسك دائمًا بالنور والبركة والسعة، التي جعل الله تعالى في هذا الدين ليس علينا فيه حرج ولا ضيق ولكن سعة”.
أسباب الفقر وضيق الرزق
قسّم الله تعالى الرزق بين عباده وحدّد لهم نصيبهم من الرزق، وكتب لهم رزقهم وفقًا لعلمه وحكمته، وأمرهم بالسعي في طلب هذا الرزق والأخذ بأسبابه، وأمرهم أيضًا بالرضى وبالإيمان بأنّ ما لم يكن لهم لن يأتيهم مهما عملوا وما كان لهم محالٌ أن يذهب لغيرهم، فالعبد يسعى في الأرض ويعمل ما هو واجبٌ عليه طلبًا لرزقه المقسوم الذي جُعل له أسبابًا تزيده، وأسبابًا أخرى تُضيّقه وتجعله قليلًا وليس فيه بركة، ومنها:
- قلة التوكل على الله: فإذا كان التوكّل على الله -تعالى- من أعظم أسباب الرزق، فالعكس صحيح فقلّة التوكّل وكثرة التفكير والظن بأنّ التدبير يقع على عاتق العبد هو أحد أهم أسباب ضيق الرزق، وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَو أنَّكُم كنتُم تَوكَّلُونَ على اللهِ حقَّ تَوكُّلِهِ لرُزِقْتُمْ كما تُرزَقُ الطَّيرُ، تغدو خِماصًا، وتروحُ بطانًا). ومعنى هذا الحديث أنّ العبد عندما يصل إلى درجة عالية في التوكل على الله فإنّ الله -تعالى- سيرزقه حتى لو بذل أدنى مجهود، كما تكفّل الله -تعالى- بكفاية من يتوكّل عليه، ولهذا فمن ضاقت به السبل وقلّ رزقه فليجدّد التوكّل في قلبه وليجعله مُقدّماً على كلّ عملٍ سواه.
- الذنوب والمعاصي: لقد دلّت الكثير من النّصوص الشرعية على أنّ الذنوب والمعاصي هي من أسباب ضيق الرزق والحرمان من خيري الدنيا والآخرة. وبيّنت هذه النصوص أنّ الإيمان والتقوى والتوبة والاستغفار من الأسباب المعينة على جلب الرزق ودوامه. قال الله -تعالى-: (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلـكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ)، فالحل إذًا هو التقوى، والابتعاد عن المعاصي، وتجديد التوبة، والإكثار من الاستغفار، والعزم الصادق على الإقلاع عن جميع الذنوب؛ حتى لا تقف تلك الذنوب مانعةً للرزق.
- كسب المال الحرام: إنّ العبد رزقه مقسوم وما وصل إليه بالحرام كان سيصل إليه بالحلال لو أنّه اتّبع السُبل المشروعة، ولكنّ اللجوء إلى مصادر الرزق المُحرّمة؛ كالسرقة والنهب وأكل أموال الناس والربا سيمحق ما هو حلال لديه، وسيغمسه في شرور المال الحرام وتبعاته، ولهذا فعلى العبد الحذر من كسب المال بالطُرق المحرّمة وتحرّي المال الحلال الطيّب، فنتيجة رزقه واحد مهما كانت الطريقة، فلو صار الإنسان غنيًا بالمال الحرام فإنّ هذا ما هو إلّا هلاك ودمار عليه في الدُّنيا والآخرة.
- عدم أداء الحقوق المالية: إنّ أداء الحقوق الواجبة في المال كالزكاة والمندوب إليها كالصدقة من أعظم أسباب البركة في الرزق ونمائه ودوامه؛ فالمال يزداد بالإنفاق، وقد قال -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، أمّا الامتناع عن الزكاة والإمساك عن الصدقة فهو سبب في ضيق الرزق ونقصانه وذهاب بركته.
- قطع الأرحام: إنّ قطع الأرحام هو سبب من أسباب ضيق الرزق، حيث بيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ صلة الرحم هي سبب من أسباب بسط الرزق، فقال: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ عليه رِزْقُهُ، أوْ يُنْسَأَ في أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ). وصلة الرحم تكون بالزيارة وبالهدايا وبالنّفقة إذا اقتضى الأمر، وتكون أيضًا بالكلمة الطيّبة والقول اللين والمشاركة في الفرح وفي الحزن، وفي الخدمة البسيطة والجليلة، وعلى من ضاق رزقه وبحث عن الأسباب ألّا يُغفل هذا السبب، فيصل رحمه طاعةً لربّه وطمعًا في ثوابه في الدنيا والآخرة.
- قلة السعي على الرزق: لقد شجّع الإسلام على العمل ورغّب على السعي في طلب الرزق فالعبد الذي لا يعمل سيكون عالةً على غيره يتكفّفهم ويطلب منهم ما يسدّ حاجته، فالعمل الحلال الذي يكون مقرونًا بالنيّة الصالحة هو نوع من أنواع العبادة، وقد قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ). الواقع يدلّ على أنّ ترك العمل وعدم السعي في طلب الرزق سيكون سببًا في قلّة الرزق وانقطاعه؛ لذلك رفع الله من شأن العمل والعمال.

