في أحد أكثر المشاهد قسوة وإيلاما، برزت قضية إيمان ضحية زوجها في الإسكندرية لتكشف جانبا مظلما من معاناة بعض النساء خلف أبواب الحياة الزوجية المغلقة، قصة تحمل بين طياتها صراعا طويلا مع العنف، والخوف، والوعود الزائفة بالتغيير، انتهت بمأساة هزت أسرتها وجيرانها وكل من علم بتفاصيلها، حيث ينتظر المتهم حاليا تحديد جلسة لمحاكمته بتهمة القتل.
مأساة إيمان ضحية العنف والتعذيب على يد زوجها
وفي هذا الصدد، قالت مريم المغربي، شقيقة الراحلة إيمان: "كان اخر خلاف يوم الوفاة شديد، وقالت اختي حينها له: "لما ياسين يشد حيله شوية، أنا مش هكمل معاك".. وكان ابنها يبلغ سنتين فقط. فرد عليها بعصبية شديدة: "هتسيبيني؟ هتسيبيني إزاي؟".
وأضافت المغربي- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن أمي اتصلت بها في ذلك الوقت وطلبت منها أن تهدأ، وقالت لها: "استغفري ربنا يا بنتي، ولما تيجي بكرة نتكلم بدل ما يعمل فيكي حاجة".
وأشارت المغربي، إلى أنه كأن قلب أمي كان يشعر بشيء… فلم تمض ساعة حتى رن هاتف والدي، وأخبروه بأن إيمان احترقت وأنهم في المستشفى، هرعنا جميعا إلى منزلها ووجدنا سيارات الإطفاء أسفل العمارة.
وتابعت: "عمري ما هنسى اللحظة اللي جري فيها بابا على التليفون، ولما سمع الخبر وقع على الكرسي. قلبي اتشل، واتمنيت إن الكلام يكون غلط أو حد بيبالغ. بس لما شفت المطافي تحت العمارة، عرفت إن الكابوس بدأ".
وأردفت: "آخر كلمة قالتها أختي قبل ما تفارق… "هاتولي حقي".. الجملة دي محفورة جوايا، وكل ما أفتكرها بحس إن روحي بتتقطع.. إيمان ماتت مظلومة، وأنا مش هسيب حقها يضيع، لا هي ولا ابنها".
واختتمت بهذه التفاصيل: "تم القبض عليه منذ يوم الحادثة، وابن أختي مقيم معنا بالطبع، ونحن في انتظار أول جلسة".
وفي يوم الأربعاء الموافق ٤ سبتمبر، كانت إيمان قد خرجت إلى السوق لشراء بعض احتياجات المنزل، إذ كانت صائمة وتستعد لتحضير الفطار، وخلال وجودها خارج المنزل، تلقّت اتصالا من زوجها الذي طالبها بعدم النزول إلى الشارع مجددا، معبرا عن رفضه الشديد لرؤيتها خارج المنزل أو أن يراها أي شخص.
واستمرت العلاقة الزوجية بينهما ثلاث سنوات، تخللتها مشكلات متعددة انتهت بانفصال سابق، وخلال تلك الفترة، تعرضت إيمان للإهانة والضرب، كما قام زوجها بقص شعرها بالكامل، وبعد الانفصال، أقامت مع أسرتها لمدة سنة وثمانية أشهر، قبل أن تقرر العودة إليه بعدما أوهمها بأنه تغير للأفضل، لكنها وجدت أن سلوكه بقي على حاله دون أي تحسن.
وتميزت تصرفاته بغيرة مفرطة وغير طبيعية، إذ كان يسعى لإخفائها عن العالم ويرفض حتى أن يلمحها رجل بالصدفة في الشارع. لم يكن يتعاطى المخدرات، بل كان مدخنا للسجائر فقط، ويعمل طاهيا في أحد مطاعم منطقة المنتزه.
وفي يوم الحادث، نشب خلاف جديد بينهما بسبب خروجها للسوق، رغم أنها أخبرته مسبقا بعزمها على الذهاب، وكانت تؤكد دائما أنها نادرا ما تخرج، وأن زوجها هو من يتولى شراء كل المستلزمات، لكن اضطرارها لشراء الفطار دفعها للنزول، لاحقا اتضح أن متعلقاتها من حلي كانت متفحمة بالكامل نتيجة حروق وصلت إلى 100٪، ما جعل ملامحها غير واضحة عند تسلمها.
وبلغت إيمان من العمر 37 عاما، وفي آخر مواجهة بينها وبين زوجها، أخبرته بأنها لن تستمر معه عندما يكبر ابنهما ياسين قليلا، وكان يبلغ في ذلك الوقت سنتين.
وهذا التصريح أثار غضبه الشديد، فدخل في نوبة عصبية يكرر خلالها تساؤلات عن كيفية تركها له، ووالدتها حاولت تهدئتها ونصحتها بتأجيل النقاش إلى اليوم التالي خشية أن يتطور الأمر إلى أذى، وكأنها كانت تستشعر خطرا.
وبعد أقل من ساعة، تلقّت الأسرة اتصالا يبلغهم بأن إيمان تعرضت لحريق وتم نقلها إلى المستشفى، مما دفعهم للإسراع إلى منزلها حيث وجدوا سيارات الإطفاء متواجدة.
وتشير الوقائع إلى أن الحريق اندلع نتيجة مادة سريعة الاشتعال يرجح أن تكون البنزين، وقام الزوج بإشعال النار فيها داخل البلكونة ثم أغلق الباب عليها، ما جعلها محاصرة لا تملك مخرجا سوى احتمالية إلقاء نفسها، لكنها صمدت حتى وصلت الإسعاف وظلت على قيد الحياة لفترة قصيرة.
وجيران العقار انتبهوا للحريق رغم أنها لم تصرخ أو تطلب النجدة، وصعد اثنان منهم إلى الشقة، وعند فتح باب البلكونة ظهر الزوج مدعيا أن زوجته "أحرقت نفسها".
وأحد الجيران هرب فورا ظنا منه أن الجسد المتفحم مجرد مانيكان، بينما قام الآخر بمحاولة مساعدة الضحية بعدما لفها أحدهم ببطانية، في حين ادعى الزوج أنه يبحث عن ماء في الحمام.
في تلك الأثناء لم يكن الطفل موجودا في المنزل، إذ كان الزوج قد أودعه لدى والدته قبل تنفيذ ما خطط له، وحتى آخر لحظة في حياتها، ظلت إيمان تتمكن من الكلام، وأكدت للطبيب أن زوجها هو من أشعل فيها النار قائلة: "جوزي هو اللي ولع فيا… هاتوا لي حقي".
والجدير بالذكر، أن هكذا انتهت رحلة إيمان، التي لم تطلب يوما أكثر من حياة كريمة وأمان تستحقه كل امرأة.
لكنها رحلت تاركة خلفها طفلا صغيرا لا يدرك بعد حجم المأساة، وأسرة تحمل وجع الفقد وعبء المطالبة بالعدالة، كما أن ما جرى لا يمثل حادثا عابرا، بل جرس إنذار مؤلم يعكس خطورة العنف الأسري حين يترك دون رادع، ويؤكد أهمية حماية النساء ودعمهن قبل أن تتحول الاستغاثات الصامتة إلى مأساة لا عودة منها.







