قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

اللغة العربية.. قلب الحضارة النابض وصوت الهوية المتجددة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ليست اللغة العربية مجرد وسيلة للتعبير، ولا نظامًا من القواعد والصيغ، بل روحٌ ناطقة صاغت وجدان أمة، وحملت ذاكرتها عبر العصور، هي اللغة التي حين نطقت، تشكّلت حولها حضارة، وحين كُتبت، حفظت تاريخ الإنسان وأسئلته الكبرى، وفي اليوم العالمي للغة العربية، الذي يوافق الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، لا نقف أمام لغةٍ نحتفي بها من باب الواجب، بل أمام كيان ثقافي حيّ، ما زال قادرًا على العطاء، والتجدد، وصناعة المعنى.

هذا اليوم الذي أقرّته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تخليدًا لاعتماد العربية لغةً رسمية في الأمم المتحدة عام 1973، يمثّل اعترافًا دوليًا بمكانة العربية بين لغات العالم الكبرى، وبكونها لغةً تجاوزت حدود الجغرافيا، لتصبح جزءًا أصيلًا من التراث الإنساني المشترك.

لغة عالمية بجذور عميقة

تُعد اللغة العربية اليوم واحدة من أكثر لغات العالم انتشارًا، إذ يتحدث بها أكثر من 400 مليون إنسان، إلى جانب ملايين الدارسين والمهتمين بها في مختلف دول العالم، ولم يأتِ هذا الانتشار مصادفة، بل نتيجة تاريخ طويل من التفاعل الثقافي، والقدرة على التواصل، والانفتاح على الآخر.

العربية لغة ذات بنية فريدة، تجمع بين الدقة والمرونة، وبين العمق والبساطة، نظامها الاشتقاقي يمنحها طاقة هائلة على توليد المفردات، وصياغة المعاني، واستيعاب المفاهيم الحديثة في مختلف المجالات، من العلوم الإنسانية إلى التكنولوجيا والبحث العلمي، ولهذا ظلت العربية عبر تاريخها لغة قابلة للتجدد، دون أن تفقد هويتها أو خصوصيتها.

العربية وصناعة المعرفة

على امتداد قرون، لعبت اللغة العربية دورًا محوريًا في إنتاج المعرفة الإنسانية، فقد كانت لغة الفلسفة، والطب، والفلك، والكيمياء، والرياضيات، ووعاءً لترجمة علوم الحضارات القديمة، وإعادة إنتاجها وتطويرها، ومن خلالها انتقلت معارف أساسية إلى أوروبا، وأسهمت في تشكيل ملامح عصر النهضة.
هذا الدور المعرفي لم يكن طارئًا، بل نابعًا من قدرة العربية على الدقة المفهومية، وعلى التعبير عن الأفكار المركبة، وهو ما جعلها لغة علم بامتياز، لا تقل قدرة عن أي لغة عالمية أخرى.

لغة الإبداع والجمال

في مجال الأدب، تظل اللغة العربية مساحة مفتوحة للخيال والابتكار، فمن الشعر الذي شكّل ديوان العرب، إلى الرواية الحديثة، ومن المقال الفكري إلى النصوص الرقمية الجديدة، أثبتت العربية قدرتها على احتضان أشكال متعددة من التعبير، وعلى التفاعل مع تحولات العصر وقضاياه.
كما لعبت العربية دورًا أساسيًا في الفنون المختلفة، من المسرح والسينما إلى الأغنية والدراما، حيث منحت هذه الفنون بعدًا لغويًا وجماليًا خاصًا، وأسهمت في وصولها إلى وجدان الجمهور العربي، بل والعالمي أحيانًا.

حضور متنامٍ في العالم

لم تعد اللغة العربية حاضرة فقط في أوطانها، بل أصبحت مادة أساسية في كثير من الجامعات العالمية، حيث تُدرّس بوصفها لغة ثقافة وفكر وتاريخ، ويُقبل على تعلمها طلاب وباحثون من ثقافات مختلفة، بدافع الاهتمام بآدابها، وتراثها، ودورها في فهم منطقة ذات ثقل حضاري وسياسي.
وفي العصر الرقمي، تشهد العربية حضورًا متزايدًا على الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الذكية، فقد أصبحت أداة فاعلة في صناعة المحتوى، ونقل المعرفة، والتواصل اليومي، بما يعكس قدرتها على التفاعل مع أدوات العصر الحديث.

اللغة والهوية

تمثل اللغة العربية عنصرًا جوهريًا في تشكيل الهوية الثقافية، فهي الوعاء الذي يحمل القيم، والتقاليد، وأنماط التفكير، والرؤية الخاصة للعالم، والاعتزاز باللغة ليس مجرد موقف ثقافي، بل فعل وعي، يؤكد الانتماء، ويعزز الثقة بالذات الحضارية.
الاحتفاء باللغة العربية في يومها العالمي هو احتفاء بالقدرة على التعبير عن الذات بلغة أصيلة، قادرة على الجمع بين الماضي والحاضر، وعلى بناء المستقبل دون انقطاع عن الجذور.

العربية والمستقبل

تتجه اللغة العربية بثقة نحو المستقبل، مدعومة بحضورها المتنامي في مجالات التعليم، والإعلام، والتقنية، وصناعة المحتوى، وتؤكد التجارب الحديثة أن العربية ليست لغة تراث فحسب، بل لغة حياة، قادرة على مواكبة التطور، والمشاركة في صياغة الخطاب العالمي.
ومع تزايد المبادرات الثقافية، والمشروعات الرقمية، والاهتمام المتنامي باللغة في المحافل الدولية، تواصل العربية تأكيد مكانتها بوصفها لغة قادرة على الإلهام، وبناء الجسور بين الشعوب.

يوم للاحتفاء المستمر

اليوم العالمي للغة العربية ليس مناسبة عابرة، بل محطة للتأكيد على قيمة لغة أثبتت عبر تاريخها أنها قادرة على البقاء والتجدد، هي لغة لم تنفصل يومًا عن الإنسان، ولا عن أسئلته، ولا عن طموحه في المعرفة والجمال.

في هذا اليوم، تحتفل اللغة العربية بنفسها، وتدعونا جميعًا إلى الاحتفاء بها استخدامًا، وإبداعًا، واعتزازًا، فهي ليست مجرد كلمات تُقال، بل حضارة تتكلم، وهوية تنبض، ولسان ما زال قادرًا على أن يقول الكثير.