قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

فاروق حسني.. حين راهن على الشباب وصنع منصة لاكتشاف جيل جديد من الفن

فاروق حسني
فاروق حسني

لم يكن دعم الشباب في تجربة فاروق حسني مجرد شعار ثقافي أو توجه إداري عابر، بل كان جوهر رؤية آمنت بأن مستقبل الفن لا يُصان إلا إذا فُتحت أبوابه على مصراعيها للأصوات الجديدة، من هذا الإيمان العميق، وُلد صالون الشباب للفنون بوصفه فعلًا ثقافيًا جريئًا نقل الفنان الشاب من الهامش إلى قلب المشهد، ومن الانتظار الصامت إلى مساحة العرض والحوار والتجريب، لقد لعب فاروق حسني دور المؤسس والحامي لهذه التجربة، حين أدرك مبكرًا أن الموهبة وحدها لا تكفي، وأن الدولة مطالبة بأن تمنح شبابها الفرصة والثقة والدعم المؤسسي، هكذا تحوّل الصالون من فكرة إلى تقليد فني راسخ، ومن مبادرة فردية إلى مشروع وطني لصناعة جيل جديد من الفنانين التشكيليين.

في الحلقة العاشرة من سلسلة «سنوات الفن والثقافة – الجزء الثاني»، يستعيد الفنان الكبير فاروق حسني ملامح واحدة من أهم التجارب المؤثرة في تاريخ الحركة التشكيلية المصرية، تجربة لم تكن مجرد فعالية فنية موسمية، بل رؤية متكاملة لإعادة بناء العلاقة بين المؤسسة الثقافية والشباب، فخلال فترة توليه وزارة الثقافة والآثار، كان حسني شديد الانتباه إلى الفجوة القائمة بين طموحات الفنانين الشباب والفرص المتاحة أمامهم، وهو ما دفعه إلى البحث عن آلية حقيقية تتيح لهم الظهور والتفاعل والتطور.

من هذا الشعور الصادق باحتياجات الشباب، انطلقت فكرة صالون الشباب للفنون، بوصفه مساحة مفتوحة لعرض الأعمال الفنية، ومنصة تفاعلية تسمح بالمشاهدة والنقد والتنافس الشريف، لم يكن الهدف مجرد تنظيم معرض، بل خلق مناخ ثقافي يشجع على الجرأة والتجريب، ويمنح الفنان الشاب الإحساس بأنه جزء فاعل من المشهد الفني، لا مجرد متلقٍ أو هامش ملحق بالكبار.

وحظيت الفكرة منذ بدايتها بدعم وتنفيذ واعٍ من قيادات فنية بارزة، في مقدمتهم الدكتور أحمد نوار، رئيس قطاع الفنون التشكيلية آنذاك، الذي أسهم في تحويل الرؤية إلى كيان مؤسسي منظم، والفنان الكبير أحمد فؤاد سليم، الذي تولى مهمة القوميسير العام لأول دورة من صالون الشباب، واضعًا خبرته الفنية والنقدية في خدمة المواهب الصاعدة. 

وشكّل هذا التعاون نموذجًا ناجحًا لتكامل الرؤية السياسية الثقافية مع الخبرة الفنية المتخصصة.

جاءت نتائج الدورة الأولى من الصالون لتؤكد صواب الرهان على الشباب؛ إذ أفرزت مجموعة كبيرة ومتميزة من الفنانين الموهوبين، الذين قدموا تجارب اتسمت بالتنوع والجرأة والوعي بأساليب الفن المعاصر. 

ظهرت أعمال تنتمي إلى الرسم، والنحت، والتصوير، والتجهيز في الفراغ، عكست جميعها حيوية جيل جديد يبحث عن لغته الخاصة، ويطرح أسئلته الفنية بعيدًا عن القوالب التقليدية.

ومع توالي الدورات، لم يفقد صالون الشباب بريقه، بل واصل نجاحه وترسّخ حضوره بوصفه أحد أهم الفعاليات الداعمة لشباب الفنانين التشكيليين في مصر. تحوّل الصالون إلى نقطة انطلاق حقيقية لكثير من الأسماء التي أصبحت لاحقًا جزءًا من المشهد الفني البارز محليًا وعربيًا، وأصبح شهادة مرور مهمة لأي فنان شاب يسعى إلى إثبات حضوره.

وفي تأملاته، يؤكد فاروق حسني أن سر استمرارية الصالون يكمن في الإيمان بأن دعم الشباب لا يجب أن يكون موسميًا أو شكليًا، بل سياسة ثقافية دائمة، تقوم على إتاحة الفرص، وتقديم الحوافز، وفتح أبواب المؤسسات أمام الطاقات الجديدة. فالفن، في نظره، لا يعيش على أمجاده السابقة، بل يتجدد بدماء شابة قادرة على التعبير عن زمنها وهمومه.

وهكذا، يظل صالون الشباب للفنون شاهدًا حيًا على مرحلة مضيئة في تاريخ الثقافة المصرية، ودليلًا على الدور الذي لعبه فاروق حسني في إعادة الاعتبار للشباب بوصفهم صناع المستقبل. تجربة أثبتت أن الرهان على الموهبة، حين يقترن برؤية واعية ودعم حقيقي، قادر على صناعة تحول عميق ومستدام في مسار الفن والثقافة.