قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حين تتقاطع الحكايات.. محمد بركة يفتح ملف الجدل بين فيلم الست ورواية حانة الست

الروائي محمد بركة
الروائي محمد بركة

في كل مرة تُستدعى فيها سيرة أم كلثوم إلى ساحة الإبداع، تعود الأسئلة القديمة بثقلها: أين ينتهي التاريخ؟ وأين يبدأ الخيال؟ ومن يمتلك حق إعادة سرد الأسطورة؟، لكن الجدل الأخير حول فيلم «الست» لم يتوقف عند حدود الرؤية الفنية أو اختلاف زوايا التناول، بل تجاوز ذلك إلى مساحة أكثر حساسية، تتعلق بما وصفه كثيرون بـ«التقاطع الواضح» بين الفيلم السينمائي ورواية «حانة الست» الصادرة عام 2021 للكاتب والروائي محمد بركة.


جدلٌ دفع بركة إلى إصدار بيان مطوّل للرأي العام، اختار فيه أن يتحدث بهدوء، مسلحًا بالنصوص، والوقائع، والاقتباسات، تاركًا الحكم النهائي للنقاد والجمهور والتاريخ. هذا التقرير يرصد جوهر البيان، ويفكك أبرز نقاطه، ويضع القارئ أمام واحدة من أكثر القضايا الثقافية حساسية في المشهد المصري المعاصر: حدود الإلهام، وحقوق السرد، وأخلاقيات التعامل مع الذاكرة الإبداعية.

أكد الكاتب محمد بركة، في بيان موسع للرأي العام، أن ما أثاره عدد من النقاد والمهتمين حول وجود تقاطع بين فيلم «الست» وروايته «حانة الست» لا يمكن التعامل معه باعتباره مجرد تشابه عابر أو مصادفة فنية.
وبرغم حرصه على التأكيد أن الحكم النهائي ليس من اختصاصه وحده، فإن البيان جاء محمّلًا بسلسلة من الشواهد النصية والسردية التي يرى أنها تضع علامات استفهام مشروعة حول طبيعة العلاقة بين العملين.

ويشير بركة إلى أن روايته لم تكن محاولة لتشويه صورة كوكب الشرق أو كسر هالتها الأسطورية، بل سعت منذ البداية إلى تقديم قراءة إنسانية نفسية داخلية لشخصية أم كلثوم، قراءة تستند إلى أكثر من عشرين مرجعًا تاريخيًا موثقًا، لكنها تعيد ترتيب الوقائع داخل سياق درامي يستكشف المسكوت عنه في حياة امرأة دفعت ثمن العبقرية والوحدة معًا.

ويشدد الكاتب على أن فكرة «الوجه الإنساني الآخر» لأم كلثوم ليست ابتكارًا طارئًا، لكنها – بحسب تعبيره – لم تُقدَّم من قبل في قالب سردي نفسي باطني يجمع بين التحليل، والاستبطان، والخيال المدروس، إلا من خلال «حانة الست»، ومن هنا، يرى أن تبني الفيلم رسميًا لشعار «تقديم الوجه الإنساني غير المألوف لأم كلثوم» يضعه، بالضرورة، في مسار متقاطع مع جوهر الرواية، لا مع خطوطها العامة فقط.
ويكشف بركة في بيانه عن تفاصيل علاقته بصناع الفيلم، مؤكدًا أنه لا تجمعه علاقة شخصية سوى بالكاتب أحمد مراد، الذي يكنّ له كل التقدير والاحترام، مشيرًا إلى اتصال هاتفي مطول تلقاه منه في وقت سابق، أبدى خلاله إعجابًا واضحًا بالرواية.
كما يروي أنه بادر بالاتصال بمراد فور تداول أخبار عن مشروع سينمائي يحمل اسم «الست»، ويتناول سيرة أم كلثوم «بشكل غير مألوف»، في محاولة لفهم طبيعة المشروع والحفاظ على جسور الود.
ومع عرض البرومو الدعائي للفيلم، ازدادت – بحسب البيان – اتصالات المثقفين والقراء الذين قرأوا الرواية، مؤكدين وجود تشابهات لافتة بين العملين.
وبرغم الصعوبة النفسية التي يعترف بها الكاتب، فإنه آثر انتظار مشاهدة الفيلم كاملًا، مؤكدًا أنه دخله دون تحفز أو نية مسبقة للحكم، محاولًا الفصل بين مشاعر المؤلف ومنهج المشاهد.
ويسرد البيان عددًا كبيرًا من نقاط التقاطع، تبدأ من اعتماد الفيلم – مثل الرواية – على كسر الترتيب الزمني للأحداث، والتنقل الحر بين الماضي والحاضر، وصولًا إلى اختيار أم كلثوم نفسها كراوية أساسية للأحداث، تتحدث بضمير المتكلم، وتكشف هشاشتها الداخلية، وقلقها، ووحدتها، وصراعاتها مع السلطة الأبوية والمجتمع والمرض.
كما يتوقف البيان عند معالجة الفيلم لعلاقات أم كلثوم المتوترة بوالدها وشقيقها، وإحساسها العميق بالوحدة رغم القمة، وتأثير مرض «جريفز» على نفسيتها وصورتها الذاتية، فضلًا عن المساحة الملتبسة في علاقتها بكل من أحمد رامي ومحمد القصبجي، واستخدامها الواعي لمشاعرهما دون الانخراط العاطفي الكامل.
ويضيف بركة أن الفيلم تطرق كذلك إلى صدامها مع سيد قطب في أعقاب ثورة يوليو، وإلى شعورها بالاغتراب الطبقي داخل قصور النخبة، وإلى قلقها من التحولات السياسية، وهي جميعها محاور تناولتها الرواية تفصيليًا وبنصوص واضحة ومؤرخة.
ورغم كل ما سبق، يحرص الكاتب في ختام بيانه على رفض أي محاولة لاستغلال تصريحاته في الإساءة لصناع الفيلم أو التشهير بهم، مؤكدًا أن هدفه الوحيد هو توضيح النقاط الملتبسة، ووضع الوقائع أمام الرأي العام، دون الدخول في معارك شخصية أو تصفية حسابات.
ويختتم محمد بركة موقفه بالتأكيد أن الحكم النهائي يظل حقًا أصيلًا لمن قرأ الرواية وشاهد الفيلم، وأن الكلمة الأخيرة – كما يقول – ستبقى للتاريخ، لا للضجيج الآني.

بين رواية فتحت أبواب الذاكرة النفسية لكوكب الشرق، وفيلم أعاد طرح السؤال ذاته بلغة الصورة، يقف المشهد الثقافي أمام اختبار حقيقي: كيف نوازن بين الإلهام المشروع والاقتباس غير المعلن؟ وكيف نصون حق المبدع دون تقييد حرية الفن؟
أسئلة لن يُغلقها بيان واحد، لكنها – بلا شك – ستظل حاضرة كلما اقترب الإبداع من الأسطورة.