معلوم أن الانتخابات قد لا تفرز الأصلح، لكنها تبقى في كل الأحوال الاستحقاق الديمقراطي الأنسب لاختيار نواب الشعب مهما أثرت فيها نزعات القبَلية والعصبية وصراع العائلات وملاحم الحشد واستباحها المال السياسي.
الانتخابات تبقى هي الانتخابات، وفُوهة الصندوق وحدها هي ما تمنح تذكرة العبور إلى البرلمان .. لكن العبور نفسه لا يصنع نائبًا عن الشعب، والتواجد تحت القبة لا يمنحك سوى الصفة النيابية في الأوراق الرسمية، أما الشارع والناس فلهم اعتبارات أخرى.
كم رأينا من نواب مروا علينا بلا أثر، وكم أخذ هذا الكرسي من تاريخ ومسيرة أناس كانت تتعلق بهم الآمال وتُبنى عليهم أحلام البسطاء في خدمات إنسانية ومقومات معيشية بسيطة، لكن البعض لم يترك أثرًا يليق بهذه الثقة.
النائب المنتظر، قد لا يكون الأجدر، لكنه في النهاية من وصل إلى هذا المكان بكلمة الصندوق وثقة الناخبين، هو من تحمل الأمانة رغبة وسعيًا ومطلبًا لا تكليفًا ولا تشريفًا.
نائب البرلمان معلوم دوره التشريعي وفقًا لـ اللجنة البرلمانية التي ينضم لها، وهنا من يحاولون تجريد النائب من دوره الخدمي، وقد يستغل ذلك بعضٌ ممن استسهلوا الأمر فاختزلوا الأمر في حضور الجلسات فحسب.
لكن مفهومنا كمواطنين عن نائب الشعب سيظل هو المفهوم السائد، نائب الشعب هو من يعمل لـ الشعب، هو حلقة الاتصال الرسمية بين المسؤول والشارع، هو الضامن لوصول الخدمات بأفضل طريقة إلى المواطن، هو الساعي بين الناس خادمًا ومُعينًا ومتصدرًا للأزمات والهموم والمشاكل.
نائب الشعب لا تُنتظر منه الإطلالات الرسمية الشيك والظهور المهندم في المناسبات وتوزيع العزاءات على الشوادر الفخمة في القرى والكفور، أو التوسط في قعدات الكبار والمجالس العرفية، بل ينتظِر منه المواطن الاصطفاف معه في الشارع، في الطرقات غير الممهدة، في اكتظاظ المواصلات وزحمة المدارس، في قوائم الانتظار بالمستشفيات وطابور التأمين الصحي، في الغوص بتفاصيل حياة العامل والفلاح، ومعاناة العاطل و طموح الشباب وأحلام البسطاء.
التجربة علمتنا أن لا نثق في وعود إنتخابية وأن نسجل لكل من قال، ونحتفظ بالوعد لكل من وعد وتعهد، وكم من وعود في الأدراج ومقالاتٍ في أدراج الهواء، لكن هذه المرة تختلف .. ما شهدته الانتخابات من تقلبات وإعادات بعد تدخل الرئيس السيسي لتغليب إرادة الناخبين، سيمنح الناخب وعيًا وثقة في المراقبة والمحاسبة، وسيبقى نائب البرلمان وإن كانت مهمته الأسمى هي الرقابة، لكنه سيظل أيضًا تحت رقابة الناخب الذي جاء به.