الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انتقام مانديلا


العظماء لم يأتوا من فراغ ولم يخلقوا صدفة وأيضا عندما وصلوا لسلم المجد عانوا كثيرا ليصلوا وليحافظوا على ما وصلوا إليه . ففى مذكرات الزعيم الجنوب أفريقى نيلسون مانديلا اتوقف عند قصة حكاها وفيها قال إنه بعد خروجه من المعتقل الذى ابتلع شبابه وخرج منه كهلا ولكنه شابا فى العزيمة والأمل ، بعد الخروج ومواصلة الكفاح الثورى والوصول إلى سلم الحكم ليصبح أول رئيس جنوب افريقى خالص السلالة والنسب ؛ يقول مانديلا ؛ انه كان ذات يوم مصطحبا حرسه ذاهبا الى تناول وجبة الغداء فى احد المطاعم وفور جلوسه هو ومن معه على مائدة الطعام ، لمح رجلا كبيرا فى السن جالسا قبالته ، فطلب مانديلا من أحد الحرس أن يذهب إلى الرجل ويطلب منه أن ينضم إليهم فى تناول وجبة الغداء ؛ وبالفعل جاء الحارس ومعه الرجل الغريب وتناولوا جميعا وجبتهم مع ملاحظة الحراس أن الرجل يرتعش ويتصبب عرقا ولا يستطيع أن يمسك بالملعقة كى يتناول الحساء فكلما ملأها ورفعها إلى فمه يتساقط الحساء على ثيابه وتقع منه على الأرض ويطلب له مانديلا ملعقة أخرى . بل أن مانديلا كان من قلقهفم عليه يضع فيه قطع اللحم فى فمه ، وظل على ذلك الحال حتى انتهى الرجل العجوز من وجبته وانطلق بسرعة غريبة تتنافى مع ما كان عليه وهو يتناول الطعام . وعندما انتهت مراسم الغداء قال لمانديلا أحد حراسه ، خيرا فعلا سيدى الرئيس فهذا الرجل يظهر من ملامحه وتصبب العرق وارتعاش يديه انه مريض وانت نلت خيرا اذ اشفقت عليه واحضرته ليتناول طعامه معك وساعدته فى ذلك ؛ تبسم مانديلا حينها وقال لحراسه : هل تدرون من ذلك الرجل ؟ فنظروا اليه نظرة الجاهلين ببواطن الأمور، فضحك ضحكة مكسوة بحزن دفين وقال؛ لهم هذا الرجل ليس مريضا ولا يرتعش من الكبر أو المرض ولكنه يرتعش من أشياء أخرى فهو كان حارسى فى سجنى الطويل وكان يتفنن كل يوم فى ايجاد طريقة جديدة لتعذيبى حتى يجعلنى أفقد وعيى ويجف ريقى فأطلب منه جرعة ماء فيقول لى على الفور سآتيك بماء؛  ويتبول على راسى حتى يتصبب وجهى ببوله ويتسرب بعضا منه الى فمى وانا اصرخ وابكى كمدا وقهرا وهو يضحك ويعلو صوته سعيدا منتصرا ، اكثر من عشرين عاما وهو يمارس معى الظلم وانا اقابل ذلك بالصبر والتحمل ، والان عندما دعوته لتناول الغداء من المؤكد انه كان على قناعة بأننى سأنتقم لنفسى مما فعله بى وكاد يموت خوفا وخاصة ان الاوضاع تغيرت فأنا رئيس وهو ماهو عليه الان ، وقبل ان يكمل نيلسون مانديلا عبارته هب احد الحراس مترجلا لكى يلحق بالرجل ويصطحبه الى السجن ويفعل به مثلما كان يفعل بمانديلا واكثر وحينها شاط مانديلا غضبا وقال ؛ الانتقام نار تحرق من يقوم به اكثر من المنتقم منه ، المنتقم يفقد لذة الحياة لانه لايفكر الا فى كل ما يأخذه بعيدا عن اقتناص اللحظة والعيش فى هدوء نفسى . الانتقام اخطبوط يلتف على المنتقم فيطوق عمره ويختزل حياته فى إحساس واحد وهو الشعور بلذة كاذبة وهى ايذاء من اذاه مع ان ترك من اذاه ينال عقابه من الخالق أهون وأيسر وادق من اختزان مشاعر الكراهية وتنميتها وتركها تسيطر على عمره كله وتظلم كافة منافذ حياته . بكى مانديلا وقال لحراسه كان فى امكانى منذ ان خرجت من السجن واصبحت رئيسا لبلدى جنوب افريقيا ان انتقم من كل من آذونى وعذبونى وانتهكوا انسانيتى؛  ولكنى لم افعل بل اننى حتى لم افكر مجرد تفكير فى ايذاءهم ، انتقامى كان ان اعلو واسمو واعمل كل مايجعل الكل يندم على محاولة عرقلتى عن مواصلة طريق الكفاح والنضال والنصر ، ان تنتقم شىء سهل ويجلب لك سعادة منقوصة لانها تفتح باب لمواصلة طريق الانتقام الذى يأخذ من كل شىء فيك فيجعلك لاتشبع من لذة الانتقام الوهمية ويجعلك شره فى الايذاء لتجد نفسك فى نهاية المطاف لم تفعل شىء لنفسك سوى ايذاءها وتغذيتها بالحقد والكراهية ونزع المحبة من عروقها وجعلها وحش كاسر فى شكل انسان . رحم الله نيلسون مانديلا الذى اعطى دروس مجانية لكثير من البشر خاصة غلاظ القلوب الذين ينسون الفضل فيما بينهم ويدوسون بأقدام غليظة على خير كثير لا يتذكرون سوى البغضاء والكراهية التى سولتها لهم انفسهم المريضة وبنوا عليها هرما من الغل والحقد جعلهم يعيشون فقط من اجل الانتقام بكافة الطرق وبكل الاسباب ..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط