الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مع استراتيجية الاتجاه شرقا.. واشنطن تعيد رسم خارطة مراكز الثقل العسكري في حلف شمال الأطلنطي

القوات الامريكية
القوات الامريكية

جاء الاتفاق الأمريكي البولندي على تمركز القوات الأمريكية العاملة في أوروبا على الأراضي البولندية وسحبها من الأراضي الألمانية ليعيد تشكيل خارطة مراكز الثقل والتموضع العسكرى الأمريكى في أوروبا وفق رؤية استراتيجية لسياسات الدفاع وإدارة الصراعات المسلحة في العالم عنوانها "الاتجاه شرقا" تتبناها واشنطن في إطار منظومة حلف شمال الأطلنطي.


فبعد أن كانت العاصمة البولندية وارسو هى المقر الأول لحلف يحمل ذات الاسم "حلف وارسو" فى مواجهة حلف شمال الأطلنطى / ناتو / فى فترة الحرب الباردة، تغيرت الخارطة العالمية لتصبح وارسو الآن هى القاعدة المتقدمة لحلف شمال الأطلنطي ومستقرا لما يربو على عشرين ألف مقاتل أمريكي.


ومنذ العام 2016 دأبت الولايات المتحدة على اتباع أسلوب إعادة التموضع الروتيني النشط لقواتها العاملة في أوروبا ضمن حلف شمال الأطلنطي كبديل عن أسلوب التمركز الدائم، ويقول المراقبون إن أسلوب إعادة التموضع الروتينى الذى بدأته واشنطن قبل أربعة أعوام كان بمثابة عملية استكشاف لمناطق جديدة فى أوروبا يمكن للجيوش (الأمريكية / الأطلسية) التموضع فيها، وكان الخيار هو الاتجاه شرقا صوب بولندا كقاعدة متقدمه فى مواجهة ما تبقى من قوى المعسكرى الشرقى الدائر حتى الآن فى فلك نفوذ وهيمنة روسيا (وريثة الاتحاد السوفياتى السابق).

 
ويقضى الاتفاق البولندى الأمريكى المبرم مطلع هذا الشهر بنقل 12 ألف جندى أمريكى من ألمانيا إلى الأراضى البولندية التى تتواجد فيها حاليا قوات أمريكية قوامها أربعة آلاف رجل زادتهم واشنطن فى نهاية العام الماضى إلى خمسة آلاف وخمسمائة مقاتل.

 
ويقول المراقبون إنه إذا كان قرار نقل القوات الأمريكية من ألمانيا إلى بولندا قد تم اتخاذه، فإن توقيتات تنفيذه لم تبد بعد فى الأفق، حيث إنها رهن بسرعة واشنطن فى إتمام التجهيزات اللوجيستية الخاصة بإقامة وإعاشة قواتها على الأراضى البولندية، والتى ستقترب من 20 ألف مقاتل، وكذلك التجهيزات الخاصة بإيواء وتشغيل أسراب الطائرات الأمريكية التى تعمل بدون طيار والمروحيات القتالية والتشكيلات الأمريكية المقاتلة المدرعة ومراكز إعاشة وتدريب قوات العمليات الخاصة الأمريكية والكوماندوز، وكذلك الاتفاق مع الجانب البولندى على إجراءات تأمين المنشآت العسكرية الأمريكية بما لا يتعارض مع اعتبارات السيادة الوطنية البولندية.


وبحسب دورية "ديفنس نيوز" الأمريكية، يأتى القرار الأمريكى بنقل التموضع العسكرى إلى بولندا انعكاسا لخيبة أمل واشنطن فى وفاء ألمانيا بمتطلبات التمويل التى اقترحتها القيادة العسكرية الأمريكية / البنتاجون / للإبقاء على القوات الأمريكية متمركزة فى ألمانيا التى اعتبرت متطلبات التمويل الأمريكية مبالغ فيها، ويصل قوام القوات الأمريكية المتمركزة على الأراضى الألمانية فى الوقت الراهن إلى أكثر من 36 ألف مقاتل يقول الخبراء إن نقلهم من ألمانيا إلى بلدان أخرى قد يستغرق عدة أعوام، وتتمركز هذه القوات بصورة مستقرة فى سلسلة قواعد توجد فى مدينة شتوتجارت الألمانية منذ العام 1967، حيث كان يقع المقر القديم لقيادة قوات حلف شمال الأطلنطى / ناتو / وفى إطار هيمنة من جنرالات الجيش الأمريكى على أنشطة الحلف الذى انتقلت قياده قبل عامين إلى مقر جديد تكلف بناؤه مليار دولار فى مدينة مونز التاريخية جنوب غرب بلجيكا وهى مدينة يعود تاريخ إنشائها إلى العام 1515 وتشتهر بقلاعها المنيعة التى شهدت وقائع حروب الاقتتال الأوروبية الطاحنة ما قبل عصر النهضة.

 
ويقول البريجادير جنرال ميريان جيسيكا، نائب مدير قيادة قوات الدفاع الصاروخى الأمريكية فى أوروبا، إن اتفاق نقل القوات الأمريكية إلى بولندا يتجاوز فى أهميته اعتبارات التمويل واتفاقاته مع ألمانيا، فنقل القوات الأمريكية إلى بولندا فى حد ذاته يعزز وضع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطى من منظور الجغرافيا السياسية على خارطة الأمن الأوروبى، ويعزز أيضا مستوى الأمن الأوروبى من خلال نقل القوات الأمريكية إلى نقاط متقدمة على الخارطة الأوروبية باتجاه الشرق فى مواجهة قوة الروسية ذات النفوذ المتعاظم.


من جانبه، قال مارسيز بلاسكزاك، وزير الدفاع فى بولندا، إن التعاون العسكرى مع الولايات المتحدة لن يقف فقط عن حد قبول بولندا باستقبال قوات أمريكية إضافية إلى أراضيها، بل سيتطور قريبا إلى إبرام اتفاق نهائى بين وارسو وواشنطن للتواجد العسكرى المستدام على الأراضى البولندية.


وأضاف وزير الدفاع البولندى، فى مقابلة متلفزة مع التليفزيون البولندى، أن التعاون العسكرى البولندى الأمريكي واحتضان بلاده لقوات أمريكية إضافية كاملة التشكيل على أراضيها من شأنه تعزيز مكانة بولندا على خارطة السياسة العالمية كقوة وازنة فى حلف شمال الأطلنطى.


ووفقا للمصادر الأمريكية، فقد تم الاتفاق بصورة بين بولندا والولايات المتحدة على أن تكون منطقة "بوزنان" البولندية مقرا لقيادة القوات الأمريكية هناك، وأن تقام مراكز التدريب الخاصة بالقوات الأمريكية فى منطقة "دراوسكو بروموسكى" القريبة من الحدود البولندية الألمانية، وهى المنطقة ذاتها التى ستقام عليها كذلك مراكز إيواء كتائب القوات الخاصة الأمريكية ومركز إدارة عمليات لواء جوى أمريكى مقاتل، وكذلك ستقام عليها ثكنات إيواء لواء مدرع مقاتل يتبع الولايات المتحدة.


وأعلنت القيادة العسكرية الأمريكية سحب 2000 من القوات الأمريكية من قوة قيادة قوات الاتحاد الأوروبى فى شتوتجارت بألمانيا، ونقلهم إلى بلجيكا وإيطاليا تمهيدا لنقلهم إلى قواعدهم الجديدة فى بولندا والجارى تجهيزها واستكمال استحكاماتها حاليا.


وقال مارك اسبر، وزير الدفاع الأمريكى، فى مؤتمر صحفى عقده قبل يومين، إن هذا الإجراء يأتى فى إطار تعديل هياكل الانتشار العسكرى الأمريكى فى مناطق العمل الأوروبية فى حلف شمال الأطلنطى.

 
وبالإضافة إلى ذلك، سيتم نقل لواء المقاتلات "اف – 16" من قواعده فى ألمانيا إلى قواعد بديلة فى إيطاليا، وكذلك نقل أفراد الفرقة المدرعة الثانية الأمريكية من الأراضى الألمانية واستعادتهم إلى الأراضى الأمريكية تمهيدا لإعادة نشرهم فى منطقة البحر الأسود، كما قررت الولايات المتحدة استبقاء قوة إبرار جوى وخدمات جوية معاونة قوامها 2500 مقاتل فى قواعد على الأراضى البريطانية بعد أن كان مخطط لهم فى السابق الانتقال إلى ألمانيا.


ويقدر خبراء البنتاجون فاتورة القيام بتلك الإجراءات بما لا يقل عن 10 مليارات دولار أمريكى لإتمام تلك العملية المعقدة لنقل المعدات والقوات والأطقم المعاونة وتطوير منشآت عسكرية متهالكة فى بولندا لاستضافتهم يعود تاريخ بنائها إلى حقبة الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية / حلف وارسو / والغربية / حلف الناتو / فى ستينيات القرن الماضى، وهو التطوير الذى يقدر الخبراء أن يتم الانتهاء منه بحلول نهاية العام القادم 2021.


ويقول القائمون على عملية نقل القوات الأمريكية إنها تتم وفق برنامج زمنى مضغوط يستغرق 12 شهرا، ويعتبرون ذلك تحديا مرهقا، بل منهم من يعتبر أن نقل القوات الأمريكية التى ألفت التمركز فى ألمانيا منذ العام 1967 يعادل فى كلفته المالية ومشقته التنفيذية تحريك قوات أمريكية فى خمسين دولة أوروبية وشرق أوسطية، لكن مخططى الاستراتيجيات فى البنتاجون يرون أن تحريك القوات الأمريكية ونقلها إلى مراكز متقدمة فى شرق أوروبا سيفوق فى قيمته الجيوستراتيجية أي تكلفة مالية أو أعباء تنفيذية لأنه سيخدم استراتيجية الأمن الأوروبى الأمريكى المشترك.