الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شمس الغد


يقال والعهدة على الراوى إنه فى زمان ما بلد كانت كل من فيها يشكون الظلم ويبثون شكواهم وأنينهم ويذرفون الدمع، لدرجة أن بلدتهم سميت بلد المظلومين.

فى هذه البلدة المظلومة زارهم شخص غريب جميل الطلة مفتول العضلات ودخل البلدة المظلومة بأهلها فنظر إليه كل من فيها متسائلين عن السبب والهدف ومنهم من كان ينظر إليه بتحسر على قوته وفتوته وجمال منظره وسحر ابتسامته ومنهم من كان يردد بينه وبين نفسه ليتنا كنا نعيش فى بلدته لنصبح مثلك!! ألقى الغريب السلام وفضفض بالكلام وجاد عليهم بما يحمله من متاع وطعام وطلب منهم أن يقابل حاكم البلدة؛ فأشاروا إلى حيث يسكن وهم يتمتمون بأن رجلا حزينا ابتلاه الله بكل الابتلاءات من زوج مريضة لا تلد إلا المرضى وأهل يستنزفونه ماليا ومعنويا وشعبا لا يراه كوفئا لمنصبه ..

ضحك الغريب من هذه الكلمات واستكمل مسيرته حيث الحاكم الذى رحب به وأحسن ضيافته ولم يشك من شىء سوى من شعبه الذى أصبح عاطلا يقضى كل وقته فى الشكوى والنقد والانتقاد؛ ولما سأله الغريب عما يقال عن حياته الخاصة وعن زوجته وأولاده المرضى وأهله المستبدين؟ تبسم وكلها ابتلاءات ترفع منزلتى فى الجنة، فهل أنقم من رحمة ربى !! سأله الغريب عن سبب شعور شعبه بالظلم وإيثارهم الشكوى عن العمل وحب الأحزان عن استقبال الفرحات وصنعها بأيديهم؟ فقال له: ورثت هذا الشعب عن أبى الذى ورثه عن جدى وقد كان لكل منا طريقة فى التعامل معهم فجدى الأعظم كان قاسيا جبارا مارس معهم كل أنواع السخرة ليعملوا وينتجوا ويعيشوا، أبى كان أقل قسوة من أبيه فقد فرض عليهم رسوما وضرائب أجبرتهم على الخروج من منازلهم والعمل من أجل ضمان قوت يومهم.

ودفع ضرائبهم، أما أنا فقد يئست ولم أطالبهم بشيء كل ما فعلته أن ألزمتهم بوقت للعمل يحصلون من خلاله على ما توفر لهم أسباب الحياة، وتركت لهم باقى أيامهم وسنينهم وأعمارهم يرتعون فيها كيفما شاءوا، فوجدتهم سعداء بذلك وبأنهم صار لديهم وقت ونفسية للشكوى والبكاء والأنين والحزن ولم يحاولوا أن يصنعوا من كل ما لديهم من وقت وطريقة حكم سلسة سعادة ونهج يغيرون به ما  ورثوه من أجدادهم وآبائهم، شعبى استحب العمى على الهدى لأن ذلك الوضع مريح له ولا يبذل فيه مجهود سوى الكلام والشكوى والأنين؛ بعكسى أنا تماما فقد اكتسبت القوة من البلاء والعزم من الشقاء والصلد من التحديات وأصبح بيتى قويا رغم مافيه من شقاء فالمحبة تعززنا وتقوينا ..

صمت الحاكم ونظر إلى الغريب وسأله عن سبب الزيارة فقال له: جئت إليك برسالة من حاكمى ومن شعبى الذى سمع الكثير عنكم وعن دولتكم وشعبكم وأعياه ما سمع ويرغب فى المقايضة بأن يأتى هو إلى بلادكم وتذهبون إلى بلادنا لأجل تحددونه، ونرى بعدها ماذا تم؛ وهل الحزن والشكوى والإحساس بالظلم أدوات لصيقة بشعبكم أم أن تغير الأجواء يغير الأشخاص، سعد الحاكم بهذا العرض كما سعد به شعبه وحزموا أمتعتهم وذهبوا مع الغريب كى يعيشوا فى بلده ويحضر شعبه ليعيش فى بلادهم، وإلى الآن لم نعرف ماذا حدث لهذا الشعب فالبعض يقول إن الغريب ألقى بهم فى البحر ليخلص البشرية من كآبتهم وأن من نجى منهم هم هؤلاء الموجودين معنا ويهدمون أرواحنا بطاقتهم السلبية، وآخرون يؤكدون أن الغريب عاد بهم إلى بلاده وأمزجهم بأهلها فتناسلوا وصاروا يمثلون أنواع البشر السعيدة والحزينة، كل التفسيرات يعلوها بقاء حاكم البلاد حتى الآن يمارس سلطاته مهما كان نوع شعبه وولائه وانتمائه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط