الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حديث عن مصالحة وترسيم حدود.. أسرار عودة نغمة تركيا الناعمة مع مصر

صدى البلد

صدر عن مسئولين أتراك كبار، خلال الأيام الماضية، تصريحات بها الكثير من التودد تجاه مصر، ما فسر على نطاق واسع على أنه إشارة إلى وجود تقارب أو محاولة إيجاد تقارب بين أنقرة والقاهرة، لدرجة أن الكثير من العناوين خرجت تتحدث عن إمكانية حدوث مصالحة.

لكن يبدو أن الأمر ليس كذلك، فمع إمعان النظر في التصريحات التركية رفيعة المستوى، سنجد أن التودد إلى مصر لا يعبر عن رغبة في إصلاح ما أفسده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأنه لا يقتصر فقط على تصريحاته العدائية، بل على دعم الإخوان الإرهابية ودعم إراهاب داعش في المنطقة ولا سيما الأراضي المصرية، في إطار رغبته في جعل مصر ولاية عثمانية، وأخيرًا تحركاته في ليبيا، التي وضعت مصر لها خطا أحمر لم يجرؤ على تجاوزه.

التصريحات التركية

قبل أشهر، تحدث مسؤولون أتراك عدة عن وجود اتصالات على مستوى المخابرات بين القاهرة وأنقرة بشأن ليبيا، والتي تبعها تصريحات من قبل المتحدث باسم أردوغان، إبراهيم قالن، بشأن رغبة بلاده في إعادة العلاقات مع مصر، لكن وجود تنسيق بشأن ليبيا ليس أمرًا مستبعدا، بل هو ضروري وبديهي، وأما رغبة أنقرة في إعادة العلاقات فهي تصريحات روتينية استهلاكية، تشبه تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عندما يتحدث عن يد طهران الممدودة بالسلام لدول الخليج وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.

كذلك، مولود تشاووش أوغلو،وزير الخارجية التركي، قال إن "تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إن سنحت الظروف".

وأوضح: "يمكننا توقيع اتفاقية مع مصر من خلال التفاوض على المساحات البحرية وفقًا لمسار علاقاتنا. تلقينا بإيجابية نشاط مصر في التنقيب ضمن حدودها البحرية في البحر المتوسط وفق احترام حدودنا.. احترمت الحدود الجنوبية لجرفنا القاري، حتى بعد توقيع اتفاق مع اليونان وأن مصر نفذت أنشطتها دون انتهاك حدودنا ونحن نعتبر ذلك خطوة إيجابية". 

هذا التصريح يحتاج إلى وقفة ووضعه ضمن سياقه الصحيح، ففي نوفمبر 2019 عندما أعلنت تركيا عن اتفاق ترسيم الحدود مع حكومة الوفاق الليبية، قالت تركيا تصريحات مراوغة مفادها أن الاتفاقية تمنح مصر مساحة أكبر من المياه مما تنص عليه الاتفاقات المصرية مع اليونان وقبرص، تلك التصريحات بالطبع تلقفتها الأبواق الإعلامية للإخوان الإرهابية خاصة المتواجدة في تركيا، وروجت لها في صياغة تقول إن الإدارة المصرية تهدر الفرصة الثمينة التي تمنحها إياها أنقرة، على اعتبار أن المستمع ساذج وسيصدق أن أردوغان يريد الخير لمصر وأنه سيتغافل عن المراد من وراء تصريحات كهذه.

الأمر ببساطة أن الاتفاقات البحرية بين مصر واليونان وقبرص تضر بموقف تركيا غير القانوني من الأساس، لذا قدمت تركيا هذا العرص السخي الوهمي لهدفين، أولهما أن تعمل الأبواق الإخوانية على إثارة الجدل والبلبلة، وثانيهما استمالة القاهرة وصناعة أزمة بينها وبين أثينا ونيقوسيا، لكن أيا من الأطراف الثلاثة لم يتلقف الطعم، فتركيا لا تملك أصلا تلك المياه لتمنحها إلى مصر، واتفاق أردوغان السراج غير قانوني ولا قيمته لا تتعدى الحبر المكتوب به.

وبعد توقيع الاتفاقية الوهمية، توسعت تركيا في أنشطة التنقيب عن الطاقة في مناطق تابعة لليونان وقبرص، بينما اعترضت مصر على الاتفاقية، وقالت إنها غير قانونية.

عودة النغمة التركية الناعمة

الآن ربما تكون عرفت الإجابة عن السؤال، لماذا عادت النغمة التركية الناعمة الآن، ولماذا كرر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار تصريحات أوغلو المشار إليها، حيث قال أكار إن مراعاة مصر لـ"الجرف القاري التركي" خلال قيامها بأعمال التنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط "يعتبر تطورًا مهمًا للغاية".

وأضاف أن أنقرة تنتظر استمرار قيام القاهرة باحترام للجرف القاري التركي عند شروعها في أنشطة تنقيب.

وتابع:"لدينا قيم تاريخية وثقافية مشتركة مع مصر، وبتفعيل هذه القيم نرى إمكانية حدوث تطورات مختلفة في الأيام المقبلة"، وتعليقا على ذلك تساءلت قناة "تي آر تي" التركية عبر تويتر أن "هل تنجح مصر وتركيا قريبًا في التوصُّل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين؟".

ما هدف تركيا من التصريحات؟

أهداف تركيا من التصريحات الأخيرة لا يختلف كثيرا عن أهداف ما بعد اتفاق أردوغان والسراج، وإن تزايد الحديث هنا عن حدوث مصالحة خاصة وسط جهود التصالح بين قطر - حليفة أنقرة- والرباعي العربي الجارية الآن، وهي ليست أكثر من مناورة تركية جديدة تستهدف اليونان وقبرص، ومصر من أجل خدمة أهداف ومصالح أردوغان.

وبحسب "جريك سيتي تايمز" اليونانية، ردت مصادر دبلوماسية يونانية على مزاعم وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو بشأن وجود تقارب بين أنقرة والقاهرة بشأن ترسيم الحدود البحرية.

وقالت الصحيفة إن اليونان تتابع باهتمام تصريحات أوغلو بشأن دعوة مزعومة من مصر لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين. ونقلت الصحيفة عن "وسائل إعلام عربية" أن تركيا لم تتلق الرد الذي كانت تأمله.

وأشارت إلى أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أكد كما أكدت المصادر ذاتها، خلال الاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية، أن بلاده تبذل قصارى جهدها لترسيخ الأمن والسلام في ليبيا. وفي الوقت نفسه، أشار إلى اجتماع اللجنة الوزارية العربية لمراقبة التدخلات التركية، الذي أكد الرفض القاطع للتدخلات التركية في المنطقة.

وتابع وزير الخارجية المصري، وفق نفس المصادر دائما، أن هذه السياسات بلا شك لم تؤد إلا إلى تعميق الاستقطاب والخلافات. وفي إشارة إلى سوريا، قال وزير الخارجية المصري، إن الحل السياسي يجب أن يتماشى مع إخراج جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية، بدءًا بالاحتلال التركي.

وتشير مصادر دبلوماسية إلى أنه عقب انتهاء الاجتماع الوزاري للجامعة العربية، أشار الأمين العام للجامعة العربية ووزير الخارجية المصري الأسبق إلى تدخلات تركيا في مصر وسوريا وليبيا والعراق والقوقاز، كما سلطوا الضوء على الجنوح التركي تجاه اليونان وقبرص.

وبحسب ما قال خبراء لصحيفة "العرب" فإن حديث وزير الخارجية التركي عن إمكانية ترسيم الحدود البحرية مع مصر ليس أكثر من محاولة لتلطيف الأجواء مع مصر وهو ما فعلته أنقرة أيضًا مع إسرائيل فرنسا، وإبداء حسن النية للتفاوض مع اليونان. وأن التغيير في المواقف التركية لن يكون جذريًا حتى تتضح طبيعة العلاقات مع واشنطن تحت إدارة الرئيس الأمريكية جو بايدن .