الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ضاحكة مستبشرة ..محمد وديع يروي قصة استشهاد ودفن منسي بطل كمين البرث

الشهيد منسي ورجاله
الشهيد منسي ورجاله الأبطال .. شهداء معركة كمين البرث

في السابع من يوليو 2017 قاد الشهيد العقيد أركان حرب «أحمد صابر منسي»، واثنان وعشرون جنديا وضابطا ملحمة تاريخية سالت فيها دماؤهم الباسلة والشريفة؛ ليروا بها أرض الفيروز.

4 سنوات ثقال مرت على ملحمة «كمين البرث» التي قدم فيها مجموعة كبيرة من أبطال الكتيبة 103 صاعقة والكتيبة 83 صاعقة أرواحهم فداء للوطن وحفاظا على عزته وكرامته وفي سبيل دحر ضباع الإرهاب الأسود.

في مثل هذا اليوم اخترقت رصاصات الغدر صدور وظهور أبطال ملحمة «البرث»؛ لتنهمر دماؤهم الباسلة على زيهم العسكري الموقر لافظين الشهادة وهم يقاتلون دواعش الإرهاب، ليخلد اسم العقيد منسي ورجاله بحروف من ذهب في صفحات السجل العسكري المصري المشرف.

كواليس الحادث

روى «محمد وديع» أحد الأصدقاء المقربين للشهيد البطل «أحمد منسي» كواليس وأجواء استقباله لخبر استشهاد البطل منسي، قائلا إن «يوم استشهاد البطل منسي نمت متأخراً واستيقظت مبكراً، وكان قلبي غير مطمئن، أشعر وكأن شيء سيئ سوف يحدث؛ لم تمر دقائق واتصل بي أحد أصدقائي مراسل حربي وأبلغني بخبر استشهاد منسي، كان كل همي وقتها أن أذهب للعريش مكان استشهاد منسي وأن أكون برفقة جثمانه ومع رجاله الأبطال».

وتابع «في هذه الأثناء التقيت بالملازم أول وائل كمال رحمة الله عليه، وكانوا يطلقون عليه "ابن منسي" وهذا لدرجة حبه الشديد لـ منسي حتى نذهب للعريش مكان الاستشهاد، ولكن تواصلت مع إحدى الجهات المسؤولة فقالوا لي إن الدعم وصل لمكان الاستشهاد (مربع البرث) ويتم نقل الجثامين، ثم وصلت جثامين الشهداء مستشفى الجلاء في الثانية فجرا يوم 8 يوليو».

الشهيد ماسا

ويستكمل محمد وديع روايته قائلا إن «جثمان الشهيد منسي وهرم وضعا في سيارة إسعاف، ثم رأيت جثمان آخر مكتوب عليه عريف مقاتل محمد السيد رمضان والشهير بـ (ماسا)، فقٌلت له حينها: «أنا معرفكش بس طالما مت مع منسي فأكيد هعرفك»، ثم جاء عدد كبير من الضباط، وفي هذا الوقت كان برفقتي شقيق الشهيد أحمد منسي الأصغر (رضا)، كان متماسكا قليلا قبل أن تغلبه دموعه، فقٌلت له: «كل اللى قاعدين دول مش عارفين هيطلع عليهم بكرة إزاي، وأخوك مش موجود فـ تماسك عشان نمشي بالموضوع مظبوط».

ويحكي وديع أجواء استشهاد منسي قائلا: «كنا نريد رؤية وجه منسي، ولكننا تراجعنا؛ لأننا نعلم أن غالبية الضباط ممن يتلقون الشهادة في سيناء أحيانا تكون الشهادة عن طريق عبوة، ولكن بدأ رضا شقيق منسي الأصغر بنزع العلم، وكشف عن وجهه فرأينا وجهها أبيضا كأنه نائم في سلام لا يوجد تشنج في الرقبة"

مفاجأة في الجنازة

ولفت «في صباح اليوم التالي 8 يوليو وضعنا الشهيد منسي في سيارة تكريم الإنسان، كنت معه أنا ورضا شقيقه الأصغر وابنه حمزة والمراسل الحربي، ووائل كمال، وصديق آخر لـ منسي متجهين لمسجد في العاشر من رمضان، ولكن أثناء صلاة الجنازة حدث شيء اندهشت منه، وهو لم يكن في المسجد موضعا للسجود رغم أن المسجد كان كبيرا ومكون من دورين، وذلك لكثرة عدد المصلين عليه، ثم بعد ذلك اتجهنا للمقابر وبدأنا في تنزيل الجثمان لمثواه الأخير، وأثناء وضع منسي في قبره أخبرت (التربي) بوضع (مخدة من الرمل) تحت رأس الشهيد حتى تكون رأسه في راحة ومستوية».

ويسترسل وديع روايته قائلا: «وضعت يدي تحت رأس منسي فوجدت دم يسيل، كل هذا لم نكن نعلم مكان الإصابة فأخبرت شقيقه الأصغر رضا وهو طبيب عن مكان الطلقة، لأنني شعرت عندما وضعت يدي تحت رأسه بكسر فى الجمجمة؛ فقام رضا بلفها  ثم خرجنا من قبر الشهيد منسي».

ويتابع وديع قائلا: «عندما خرجت من المقبرة وجدت عدداً غير عادي من الضباط يؤدون له التحية، ويقرأون سورة يس مع بعضهم بصوت عالي، ثم ذهبنا تحت منزله ليلاً فوجدت الكثير من الحضور يتحاكون على مواقف منسي معهم، وقتها اكتشفت أن الشهيد منسي كان مهما فى حياة كل واحد/ وأنه سيترك فراغا كبيرا فى حياتنا جميعا».

وصية الشهيد منسي 

وكشف وديع عن وصية الشهيد منسي قائلا: «كانت وصية منسي أن يظل معه زي عسكري جديد في قبره، وذلك لإيمانه بأنه إذا عاد إلى الدنيا سيقاتل ألف مرة؛ لينال مرتبة الشهادة حتى يكون صادق مع الله في وعده».

وعد الشهادة

وفي رواية تنم عن وفاء أصدقاء منسي قال وديع: «بعد استشهاد أحمد منسي بأسبوع توفى صديق له من حزنه عليه»، مردفا «حين ذهبت أنا وملازم أول وائل كمال لقبر الشهيد أحمد منسي، وقرأنا الفاتحة له، قلٌت لـ كمال: «منسي لا يأتي لي في المنام؛ ليرد وائل قائلا: ولا أنا»

ولفت «تعاهدنا أن من يموت أولا يلقي بالتحية على منسي ويسأله لماذا لا يأتي إلينا في أحلامنا؟، ولكن هذا الوعد سبقني فيه الملازم وائل وذلك بعد استشهاده، حيث تم دفنه إلى جوار منسي».

أسرة منسي

وحكى وديع عن حالة أسرة منسي بعد استشهاده قائلا إن «أسرته كانت في حالة من الصدمة الشديدة عندما علموا باستشهاده»، معقبا «كان دائما يتحدث معهم عن الشهادة، حتى ابنه حمزة رغم صغر سنه إلا أنه كان مدرك لاستشهاد والده منسي؛ لأن الشهيد كان طول الوقت يوصيه على أشقائه وجدته ليعاملهم كراجل».

وأكد أن «بطل الحكاية هي زوجة أي شهيد، لأنها تقوم بدور الأب والأم وتتحمل المسؤولية وحدها، لكن عزائنا الوحيد أنهم سيكونوا من الـ70 الذين سـ يشفع لهم الشهداء يوم القيامة».

وعند الحديث عن الشهيد منسي 

كنت دائماً أقول للشهيد منسي «أنا بشوفك إبراهيم الرفاعي العصر الحالي»، وكان يرد متسائلاً: «أنت فاكر أن حد هيسمع عننا؟، وإحنا مش عايزين حد يسمع عننا، إحنا بنشتغل عشان ربنا وتراب البلد، بنأدي مهمة وهيجي غيرنا».

وأكد أن «منسي كان مؤسسة خيرية تسير على الأرض، كان خيرا بشكل مبالغ فيه، مبدع ومختلف، شخص غير نمطي، تفكيره دائما بره الصندوق، كان شغله كله لله وبلده، (مش عايز حاجة من الدنيا يعمل لآخرته، عشان كده ربنا شاور عليه)».

واختتم «فقدنا كثير من الأبطال مثل الشهيد رامي حسنين وأحمد شحاتة، محمد سمير إدريس، أحمد أبو النجا، كل هؤلاء الشهداء كانوا أساطير، فكان لابد أن نحكي عن حياة الشهيد منسي، وكل الشهداء الأبطال الذين جادوا بأرواحهم لحماية الوطن والدفاع عنه وعن شعبه؛ كانوا مخلصين بطريقة غير عادية، حتى يعلم العالم العربي كله من هم جنود مصر، ويكونوا قدوة للشباب الناشئ، (وأنا واثق هيطلع من شبابنا 1000 منسي)».