الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

توبة نصوحه


بحكم نشأتى فى منطقة شعبية كانت جملة توبه نصوحه تتردد امامى بكثرة مفرطة ، حتى اننى اكاد اسمعها فى كل مكان واى مكان ومن مختلف البشر . وفى الافراح والليالى الملاح اسمعها على خشبة احياء المناسبات السعيدة ممن يصعد لتحية العريس او العروسة وهو يطلب من المغنى او ممن يحيى الليلة السعيدة بأنه يسمعه موسيقى او اغنية توبه نصوحه ويرد عليه الاخير نسمع سلام لاحلى تحيه مصحوب بتوبه نصوحه. لم اكن حينها وانا طفلة ادرك معنى هذه الجملة وان كان اللحن وطريقة الغناء تأسرنى وتجعلنى اجهش بالبكاء مما يثير ضيق امى منى وتطلب منى ان اكف عن البكاء لاننى لم افعل شىء يجعلنى اتفاعل مع هذا اللحن وكلماته ، كنت اضحك من كلام امى ولاادرى سبب ضيقها ولم اسالها حينها عن المعنى والهدف والمقصود من التوبه النصوحه . عندما كبرت سألت ابى رحمه الله وكنت اراه مصدر معلوماتى وحبيبى الطيب الحنون قلت له يعنى ايه توبه نصوحه ؟ تبسم ابتسامته الجميلة وقال متساءلا خير يابنتى ايه سبب السؤال ده ؟ فيه حاجه ؟ اجبته بسرعة البرق لا ولا حاجه بس عاوزه افهمها لانى كل مسمعها باعيط وامى بتتضايق وانا مش عارفه ليه . قبل رأسى وقال لى امك خايفه عليكى ليس الا ، المهم يابنتى الجملة ديه بتتقال لما ربنا يرضى عن العاصى وياخد بايده ويخليه يبطل يعصيه ويبعد عن سكة الشيطان ، فلما ربنا ينور طريقه ياخد عهد انه ميرجعش للباطل تانى ويقول خلاص هتوب توبه  مالهاش رجعه تانى . واختتم كلامه بدعاء الى الله ان يباعد بيننا وبين الحرام بعد المشرق عن المغرب . انتهى حديث ابى موضحا لى جملة كادت تهز ثقة امى ابى على الرغم من كونى طفلة حينها لم تتخطى السنوات السبع ، وكبرت وكلما سمعت هذه الجملة اتذكر ابى رحمه الله وارجع بذاكرتى الى الايام الخوالى بكل مافيها من حلاوة وطلاوة وادعو لامى بطول العمر والعافية ، ومنذ ايام قليلة شاهدت فنانة شهيرة يحاورها مذيع عراقى جهبذ فى القاء الاسئلة والحصول على الاجابات وخاصة عندما يكون لديه كم معلومات صارخ عن محاوره ، سمعته يسألها عن قبرها وهل تفضل عليه وضع وظيفتها فردت باستنكار رافضة ان يوضع على قبرها وظيفتها معللة ذلك بأنها ستقابل ربها بلا القاب مثلما جاءت ، ولكن المذيع الذكى داهمه بسؤال اخر وهو هل تفكر فى التوبه النصوحه فى يوم من الايام ؟ وقامت الدنيا ولم تقعد وانفجرت الفنانة فى جمل متتالية تدافع عن نفسها وعن مهنتها وتحدثت وكأنها من الرسل او الانبياء وتساءلت : توبة ايه ونصوحة ايه ، طبعا عمرى مااقول كده ولا اعمله من الاساس ؛ ولانه مذيع من طراز عالى الجودة فقال لها والله انا ياما نويت اتوب توبه نصوحه وفشلت فى الاستمرار ، وعلى كل يانجمتنا نشطب السؤال ده خالص ولو تحبى نمنتجه من اللقاء تحت امرك . 
كنت اشاهد الحلقة وانا مع ابى فى ذكرياتى الجميلة معه ومع صوت امى متعها الله بالعافية وهى تطلب منه ان يعيد المياه الى مجاريها بين فلانه وزوجها وخاصة انه اقسم امام المنطقة كلها بانه تاب واناب ورجع للحق وعاوزها تسامحه وترضى انه يرجع لبيته وولاده وتسامحه على عمايله البطاله . جملة توبه نصوحه لم تكن مجرد مفردات بقدر كونها بوابة حياة جديدة جعلتنى استنكر ردة فعل الفنانة الشهيرة حينما سألها المذيع الالمعى عن متى ستقولها ولماذا، هذه الجملة مع مرور الزمان والتجارب وقسوة الحياة وتجاربها جعلتنى ادرك انها ليست بالضرورة ان تعنى العزوف عن الخطأ او الحرام او الباطل بل ايقنت انها تحتمل ايضا الابتعاد عن اشياء واشخاص ومواقف كنت تراها صحيحة طيبة جميلة ولكنها كانت فوهة بركان ابتعلت مراحل من حياتك وتركتك تقسم بأغلظ الايمان انك تائب ولن تقترب من هؤلاء البشر والاشياء والمواقف ماحييت ، لانك تبت عن طيبتك وعن خيبتك وعن كونك انسان سوِى التفكير والسريرة والهدف . ليس بالضرورة ان تكون مذنبا لتتوب ولكن تكون مخطئا طيبا حسن النية فى زمان اصبح فيه التائب من نوائب البشر ملك زمام الدنيا ومافيها.. اللهم توبه نصوحه رغم عدم فهم الكثيرين ..

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط