الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكراه.. مثقفون يروون حكاياتهم مع الراحل جمال الغيطاني|خاص

صدى البلد

ساهم الكاتب الكبير جمال الغيطاني في إحياء الكثير من النصوص العربية المنسية وإعادة اكتشاف الأدب العربى القديم بنظرة معاصرة، وكان للأديب نجيب محفوظ تأثير واضح في بلوغه تلك المرحلة الأدبية الهامة، كان جمال سببا فى اكتشاف أجيال متتالية من الأدباء بالاضافة إلى إبداعاته الفريدة فى الأدب.

حلت أمس ذكرى ميلاد الأديب الراحل جمال الغيطاني، والذي ولد في 9 مايو 1945 بسوهاج وتوفي 18 أكتوبر 2015 بالقاهرة إثر نوبة قلبية تعرض لها، فهو روائي وصحفي مصري ورئيس تحرير صحيفة أخبار الأدب المصرية.
وخلال التقرير التالي أردنا من خلاله معرفة ذكريات المبدعين مع الأديب الراحل.  

 

الكاتب والمؤرخ سامح الزهار في تصريحات خاصة لـ صدى البلد حكى من خلاله ذكرياته مع جمال الغيطاني وقال: كان الراحل الكبير الأستاذ جمال الغيطاني ولا يزال علامة قاهرية كبرى، مئذنة شاهقة في سماء القاهرة التاريخية، أحد كبار العارفين المتجلين بتاريخها المادي والمعنوي، صاحب الجوانب الإنسانية الكبرى في تاريخ المدينة، عرفته كأب وصديق وأستاذ ومعلم، فكان خير الحكائين وأستاذ التاريخيين، عاش ملهمًا لكل من عرفه إنسانيًا وأدبيًا، كان بيننا عشرات اللقاءات، وقد سعدت بكوني مشرفًا على الاحتفال بسبعينيته التي أقيمت في بيت السناري بحضور رئيس مجلس الوزراء حينها المهندس إبراهيم محلب.

وضمن اللقاءات المتعددة بدروب القاهرة التاريخية وبعضها في المؤتمرات والندوات بالمكتبات العامة وبالمجلس الأعلى للثقافة فإنني أعتز بخمسة مشاهد قاهرية في حياة جمال الغيطاني التقينا فيها سويًا عدة مرات.

 

درب الطبلاوي

 

واستطرد: كان لقاؤنا الأول في (درب الطبلاوي)، وهو المكان الذي ولد فيه الكاتب الكبير وعاش فيه فترة النشأة والتكوين متأثرًا بتاريخ المكان الذي لا ينفصل عن جغرافيته، كذلك العلاقات الإنسانية التي نشأت بيه وبين البسطاء الذين يعيشون أو يجوبون بتلك البقعة القاهرية شديدة الخصوصية، شديدة الثراء، وقد حكى لي الكثير عن علاقته بقصر المسافر خانة وكيف حزن على هذا المكان الأثري البديع لما جرى له لاحقًا من  حريق التهم معظمه.

 

الجمالية

 

وهي العالم الذي استلهم منه الأستاذ الغيطاني معظم شخصياته في عالمه الروائي والقصصي، كذلك لما ارتبط في هذا المكان بعلاقة وثيقة امتدة لعقود طويلة بالأستاذ نجيب محفوظ، أذكر جولة قمنا بها في وكالة بازرعة بالتمبكشية وكيف كان يرى أن إعادة توظيف المكان ثقافيًا سيغير من وجه الجمالية.

 

سيدنا الحسين

 

وكان بالنسبة للراحل الكبير هو مركز القيادة الروحية، أذكر مدى إعجابه الشديد بجوانب المسجد الروحية ربما قبل المعمارية، وما كان له من تخييل شعبي لقصص الرأس الشريفة، أم الغلام، والباب الأخضر.

 

الدرب الأحمر

 

كان الغيطاني محبًا لمساجد الدرب الأحمر عما سواها، ربما لتنوعها المعماري والتاريخي والفني، كان يخص بالذكر مساجد الصالح طلائع، جاني بك، قوصون، المهمندار، آق سنقر، قجماس الإسحاقي، ألماس الحاجب، الطنبغا المارداني، أيتمش البجاسي.

 

السلطان حسن

 

كان بين مسجد السلطان حسن والأستاذ الغيطاني علاقة خاصة جدًا، ثلاثون عامًا يزور ويحب ويناجي الحجر ويتجلى في محراب هذا المسجد المملوكي الكبير، مازلت أذكر ما حكاه لي عن علاقته بالمسجد، وقد كان له دفاعات كثيرة عن أحواله الأثرية منها ندوة كبرى عقدها في يونيو 2014.

ذكريات حسين حمودة مع الغيطاني 

 

 الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة، تحدث عن ذكرياته مع الراحل الغيطاني، حيث كان أحد أصدقاء الروائي الراحل جمال الغيطاني في ذكرى ميلاده: وقال "أكثر من مرة كتبت عن بعض أعمال جمال الغيطانى: (الزينى بركات)، (كتاب التجليات)، (هاتف المغيب)، (شطح المدينة)، (الرفاعى)، (رسالة البصائر فى المصائر)، (رسالة فى الصبابة والوجد) وغيرها، وأجريت حوارين معه، وأشرفت على بعض الرسائل الجامعية عن بعض أعماله، وقاربت مشروعه الإبداعى في مدخل شبه مطول في الموسوعة العربية التي تصدرها (الأليسكو)، وفي مقاربة قصيرة فى مدخل عنه بـ(قاموس الأدب العربى) الذى أشرف عليه الدكتور حمدى السكوت، وفيما انتهيت إليه بهذا المدخل أن عالم الغيطاني واضح الغنى والتنوع".

 

وأضاف حمودة، في تصريحات خاصة لموقع "صدى البلد": "فى هذا العالم المتنوع، الذى يجوب مساحات عدة، بجهات متباينة، ثمة معالم راسخة ثابتة رغم تناميها عبر رحلة جمال الغيطانى: الاهتمام المتصل بوضع الإنسان العربى تحت وطأة سلطة رازحة، مطبقة خانقة، كلية القدرة تقريبا، ممتد ظلها الثقيل عبر أزمنة تاريخية طويلة.. الانتقال من تناول اليومى، التفصيلى، المرتبط بهموم جزئية محددة، فى واقع حافل بالمفارقات والتناقضات، إلى التساؤلات التى لا يتوقف طرحها ـ مع أن، وربما بسبب أن، أغلبها يلوح بلا إجابة ـ حول قضايا كبرى قديمة متجددة، تطال الوجود والزمن والموت، والتوق الإنسانى، الذى لا ينى، إلى التناغم المفتقد مع الطبيعة والكون.. والترحال، بدلالاته ومستوياته المختلفة، بحثا عما يجاوز الحاضر القائم ـ بكل ما يعتوره من معالم الفقد، والظلم، والاغتراب..إلخ ـ إلى المجهول النائى، بكل ما يعد به من اكتمال وتحقق.. الاستناد، فى ذلك كله، إلى لغة أثيرة، مشبعة بذائقة صقلتها معرفة وإلمام واضحين بالتراث العربى القديم.. نبرة الشجن الخفيفة الخفية التى تتخلل النصوص والتى تلوح، لرهافتها، كأنها بلا حضور مادى ملموس.. الحس الحاد بهاجس الزمن الذى يتجلى عبر مستويات شتى، والصلة العميقة بالمكان التى قادت الغيطانى إلى صياغات فريدة".

وأوضح: "وفى كتابات جمال الغيطانى التى ترامت فى مساحات رحبة؛ أزمنة وأماكن شتى، واقعية أوافتراضية، مستدعاة أومتخيلة، قريبة ونائية، مشهودة أومستشرفة بمنطق التجلى الصوفى.. تظل منطقة (الجمالية)، قريبا من حى (الحسين) القاهرى العتيق، بزمنها المنطوى على أزمنة متراكبة، هى الموطن وهى المآل، نقطة البدء ونقطة الوصول، منها ينطلق عالم الغيطانى، وإليها ـ بعد ترحالاته التى تلوح بلا نهاية ـ ينتهى ويؤوب".

وتابع حسين حمودة: "محاولاتي لمقاربة عالم الغيطاني، خلال أعماله، امتدت بعد رحيله خلال مناقشات سعدت بها مع زوجته الراحلة الكاتبة ماجدة  الجندي .. كانت مثقفة بحق، وقارئة عظيمة ومتقصية للأدب، ومؤمنة إيمانا حقيقيا بكتابات الأستاذ جمال، وأيضا مدافعة أبدية عنها.. والحقيقة أن جزءا من نقاشاتنا دارت حول الصلات بين عالم جمال الغيطاني وعالم أستاذه وأستاذي: نجيب محفوظ.. وقد تفضلت جريدة "الدستور" الغراء بنشر حوار مطول بيننا على صفحتين كاملتين، وقد رأت الأستاذة ماجدة الجندي أن هناك مساحة مشتركة فيما ما بين «التفاتة محفوظ» لفكرة الزمن وما بين «عناية الغيطانى» بنفس الفكرة، وحاولت أنا أن أشبع هذه النقطة بالإشارة إلى أن نقطة البداية في هذه المساحة المشتركة ترتبط بأن منطقة القاهرة المعزية كانت أشبه بـ«سرّة العالم»، بالتعبير الجغرافى القديم، فى عالم كل منهما.. وهى منطقة تمثل مكانًا مفتوحًا على أزمنة متعددة تتعايش معًا فى الحيز الواحد.. وبالإضافة لهذا، هناك عناية خاصة بفكرة الزمن عند كل منهما وصلتها بالحياة وبالموت وبالخلود، وكل هذا يمثل «انشغالًا» مصريًا، موروثًا وثابتًا تقريبًا، منذ عصر الأسرات المصرية القديمة.. «سؤال الزمن» فى أعمال الغيطانى مطروح بوضوح جدًا، وهو يأخذ بعدًا آخر موصولًا بتأملات التصوف حول الزمن، وهو فى ذلك يستكمل استبصارات بعض المتصوفة فى الزمن، وهى استبصارات مذهلة، أو لا تزال مذهلة، حتى الآن.. ومنها فكرة أن المكان زمن متجمد والزمن مكان سائل.. وقد كتب الغيطانى مقالًا جميلًا ونشره فى مجلة «فصول»، وقدم فيه رؤى خاصة حول علاقة الزمن بالمكان.. هناك صلة مشتركة فيما يخص حضور الزمن فى عالم محفوظ وعالم الغيطانى، وإن دخل كل منهما إلى هذا من مدخل مختلف".

وأنهى: "الآن رحل الأستاذ جمال الغيطاني، واكتملت معالم رحلته الإبداعية والثقافية عموما.. وهي رحلة تستحق الاهتمام بها على كل المستويات الممكنة".

 

 

طارق الطاهر يتحدث عن الغيطاني

 

الكاتب الصحفي طارق الطاهر، تحدث عن بعض ذكرياته مع الكاتب الكبير الراحل جمال الغيطاني وقال الطاهر: "التقيت بالكاتب الراحل جمال الغيطاني، عقب تخرجي من كلية الآداب قسم اللغة العربية في عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ ارتبطت به على المستوى الشخصي، بعد أن كنت حريصا دائما على قراءة الصفحة الأدبية التي كان يشرف عليها في جريدة الأخبار، وكانت تصدر في الثمانينيات يوم الأربعاء، ثم تغيرت فيما بعد لتصدر يوم الإثنين، وفي هذه الصفحة تشكلت ملامح إدارة جمال الغيطاني للعملية الثقافية، وكان نتاج هذه الصفحة، ونجاحاتها المتتالية أن صدر جريدة أخبار الأدب في يوليو 1993، وكان لي الشرف أن أكون أحد أعضاء الفريق الذي اختارهم جمال الغيطاني ليكونوا معه ضمن الرعيل الأول لأخبار الأدب، والذي ساهم معه في تأسيس أخبار الأدب، حيث مكثت لمدة عام كامل، من أجل إصدار هذه الجريدة، وقمنا بعمل عدد تجريبي واحد".

 

 

طارق الطاهر: الغيطاني انحاز لذاكرة الوطن

 

وأضاف طارق الطاهر: عندما انطلقت جريدة أخبار الأدب، في يوليو 1993، كان جمال الغيطاني ما يمكن أن أطلق عليه الأهداف الرئيسية لهذه الجريدة، وقد وضعها ببراعة شديدة انحاز فيها لذاكرة الوطن، لأنه كان طوال الوقت مهموما بتوثيق هذه الذاكرة، وذلك يروج لكونه ليس فقط صحفيًا كبيرًا وأديبًا فريدًا ولكن أيضًا كان مراسلا حربًيا، ومن هنا كان إلحاحه على أن تلعب الجريدة دورًا مهمًا للحفاظ على هذه الذاكرة الوطنية، كما استطاع جمال الغيطاني".

 

الطاهر: جمال الغيطاني كان مهموما بالترجمة

 

وأوضح: "وحرص جمال الغيطاني على أن تخرج أخبار الأدب الموهوبين من  كل أرجاء مصر المحروسة، أيضًا عند وضعه أسس أخبار الأدب اهتم بالترجمة، فكان مهمومًا طوال الوقت بالترجمة باعتبار أن الترجمة هي التي تستطيع أن تنقل الأمم من خانة إلى خانة، وأن الترجمة دليل على نهضة الأمم، وليس سرًا أن سلسلة أفاق الترجمة التي تصدر حتى الآن عن الهيئة العامة لقصور الثقافة هي إحدى أفكار الكاتب الكبير جمال الغيطاني".

وأشار طارق الطاهر: "جمال الغيطاني أدار جريدة أخبار الأدب على مدى 17 عامًا، كنت شريكا معه في أحيانا كثيرة بهذه الإدارة، بل أنه اختارني لكي أحل محله عندما سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتلقي العلاج، وذلك في عام 2010، فهو استطاع أن يؤسس مدرسة صحفية اسمها أخبار الأدب، وجميع زملائي في هذه الجريدة الذين تربوا على يد جمال الغيطاني هم الآن، استطيع أن أقول أنهم في الصف الأول في الحياة الثقافية، سواء إبداعاتهم الصحفية أو إبداعاتهم الأدبية، فأخبار الأدب لم تكن فقط، مدرسة لتخريج الصحفيين الثقافيين، بل ايضا لدينا العديد من الموهوبين في مجالات الأدب، استطاعوا أن يكونوا جزءًا من المشهد الأدبي والثقافي".

 

معركة جمال الغيطاني بسبب قرية المريس 

 

وتابع: "ارتبط بجمال الغيطاني ارتباطا كبيرًا، وشهد على الكثير من المعارك التي خاضها الغيطاني من خلال أخبار الأدب، وفي بعض هذه المعارك كنت احد أطرافها الأساسيين، وكنا في هذه المعارك لا نبتغي سوى وجه الحقيقة، فكان أحد أهم مميزات جمال الغيطاني أنه كان لا يمتنع في أن يبذل أي جهد في سبيل الحرية، حرية الوطن، والمثقفين، وكذلك المواطن، وأتذكر هنا مشهدًا لا يمكن أن أنساه، فعندما كلفني أنا وزميلي اسامه فاروق ذات يوم أن نذهب إلى مدينة الأقصر، لا لكي نعد تحقيقا ثقافيا بل لكي نعد تحقيقا اجتماعيا وسياسيا، وكان عن أهل قرية المريس هناك، حيث تقرر في فترة ما قبل 2011 أن يتم سلب أراضي أهل القرية لصالح مشروع معين، وكتب جمال الغيطاني منددًا بالمشروع في جريدة الأخبار، وإذا به يقرر أن ينقل المعركة إلى جريدة اخبار الأدب، وسافرنا إلى الأقصر، والتقينا بالأهالي، وأعددنا تحقيقا كبيرًا، وهذا التحقيق أحد الاسباب التي أدت إلى تراجع الدولة في تلك الفترة عن تنفيذ هذا المشروع الذي كان سيؤدي إلى سلب الآلاف من الأفدنة، من المواطنين الذين عاشوا حياتهم في هذه المنطقة".

وأنهى: " جمال الغيطاني سيظل رمزا لمجموعة من القيم المتفردة، سواء في ممارسته الصحفية أو في إبداعاته".