الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نهال علام تكتب: وفي القضاء على "فيروس C" حياة

صدى البلد

إذا سألتك أن تضع تعريفاً للمجنون، فهل سيكون هو المتعلق بالظنون وفي وسط الظلام إيمانه أن لا سبيل للنور! أم هو ذلك المفتون بأن المعجزات تحدث مهما بدت التعقيدات واضحة في جبين الكون!

لا تتعجل الإجابة.. فدون سند ستصبح مجرد كلمات معادة، لذا سأقص عليك ما شَهدت والله يعلم أن كل ما يلي ليس أضغاث تخيلات إنما واقعة بها الكثير من التأملات، منذ عشرون عاماً وربما يزيد قليلاً أصيب أحد أقاربي بڤيروسC اللعين وتم اكتشافه بصدفة عجيبة، فهذا الشخص لم يكن يعاني، بينما الڤيروس كامن في كبده قرير العين وينشد الأغاني.

تبدل حاله، ظل ينظر لعياله، يفكر في مآله وعدد السنوات القليلة التي تنتظره لتحول بينه وبين أماله، فابن المدينة الذي لم يذهب يوماً لقرية ولم يولي وجهه صوب ترعة كيف يصاب بهذا الڤيروس المريب! وبعد بحث مضني اكتشف أنه أصيب به اثناء عملية جراحية بسيطة أجراها في مستشفى من المصنفة أنها استثمارية وديكوراتها استثنائية لكن يبدو أن ذلك الاهتمام لم يصل بشكل كافي لأدوات العمليات الجراحية، فكان ما كان وأصيب صديقنا بهذا الابتلاء.

أعوام قضاها في علاجات غير فاعلة، وعزلة عن أسرته خشية أن يتسبب في أذيتهم مما تسبب له في مشاعر قاتلة، تحاليل ومحاليل والشفاء يبدو حلم مستحيل، ومريضنا يرفض تلك الحجج الواهية وأي تعليل بأن المرض أشرس من أن يواجه والخطة العلاجية لا تتضمن الشفاء فقط قد تكفل له أن يقضي ما تيسر في الحياة أقل ألماً وأن تكون اجهزته الداخلية أكثر تحملا.

وذات لحظة لم استوعبها في تلك السن الصغيرة التي كنت عليها أثناء تلك الوقائع المتسارعة الأليمة، إذا بهذا المريض ينظر للسماء نظرة طويلة ويحدثنا قائلاً سأبرأ يوماً من هذا الڤيروس وإن انعدمت الأسباب واستنفذت الحيل فالله قادر وذلك يقيني أن في زمن ليس ببعيد سأعود لصفوف الاصحاء وسترون أن الحلم سيضحى قريب.

وتمر السنون وصديقنا لم يفارقه الأمل الذي كان مدعاة للجنون، وتوفر مصر علاج يقضى على الڤيروس الذي استشرى في أكباد المصريين بشكل محموم، ويشفى هذا المتوضأ بالأمل الذي كنا نراه درباً من الخيال المحمود يليق بمريض على الرجاء مسنود، رغم أن تحققه أمراً غير مضمون حتى لو توفر العلاج فهل سيكون رادع لتطورات الڤيروس الفاجع، ولكن يشاء الله وبعد رحلة علاج قاربت على العام أن يشفي بالتمام وعاد من كنا نعده في عداد الأموات.

ڤيروس C ذلك الوغد اللعين، الذي يصيب كبِد الإنسان ليواجه كَبد الحقيقة أنه بعد عدة سنوات سيصبح في طي النسيان، أتذكر رعب والدتي لفترة طويلة من الزمن إذا استخدمت أدوات صالونات التجميل وانقباض قلبها إذا زرت طبيب الأسنان مهما كان قدره من الشهرة والصيت الذائع تظل دعوتها يا منجي من الفواجع، فالڤيروس كان في كل مكان ولن أنسى تلك الإحصائية التي كانت تردد في أحد الإعلانات التوعوية في فترة ما بعد ثورة يناير وهي لا تكن رقم 8، فكان هذا الواقع الذي نعيشه كل ثماني أفراد بينهم شخص يحمل ڤيروس الكبد اللعين.

ربما كانت بداية الحكاية من استخدام أهالينا في منطقة الريف مياه الترع في أغراض العناية المنزلية، مما جعل البلهارسيا تخترق حصون الكبار وخلايا الأطفال الذين اتخذوا من الترع مصيف بلا ثمن ولو أدركوا أن ذلك اللهو الوقتي ثمنه هو العُمر لكن كلمة لو لن تفيد ولا تضيف للقدر جديد، ولكن مع الهجرة الغير مسبوقة من الريف إلى الحضر وتدني مستويات العناية الشخصية والرعاية الصحية استشرى المرض، ناهيك عن انتشار المخدرات في تلك الفترة من ثمانينيات وتسعينيات تلك الفترة وخاصة التي يتم تعاطيها عن طريق الحقن وتكرار استخدام الحقن دون وعي ولا ضمير كل ذلك جعل   المرض ينتشر كالنار في الهشيم.

ڤيروس C ذلك القاتل الغير أمين قاهر حياة المصريين فليس الأمر بوفاة ولكن بابتزاز للحياة، فيصبح المريض عالة على أسرته وبحاجة للإعالة من دولته ويكفي لندرك حجم مساوئه أن نسبة الوفيات أثر هذا المرض كانت من 40: 50 ألف مريض سنويا، وذات يوم كان الحلم أن تنخفض أعداد الإصابة فلم يكن حلم القضاء على هذا المرض وارداً بالأساس فكيف ذلك وهو كالوسواس الخناس!
وجاء الرئيس عبد الفتاح السيسي وكان هذا الملف على رأس أولوياته، فالدول لا ترتقي إلا بجهد ابنائها والشعب المريض بالتبعية اقتصاده مشروع ميت ومستقبله حلم محكوم عليه بالإعدام.

وتمت عقد اتفاقية في بداية فترة تولي السيسي مهامه الرئاسية بالاتفاق مع أكبر شركات الدواء الأمريكية على أن تقوم مصر بتصنيع العقار وذلك مقابل تكلفة مادية تساوي ١٪؜ من قيمته الدولارية، وهنا جائت الخطوة الثانية حصر المرضى والوصول لهم ولو في آخر حدود الوطن، فجائت الحملة الرئاسية للمسح عن الأمراض السارية لاكتشاف تلك الأمراض الساكنة والكامنة، وبالفعل أجرت مصر أكبر مسح طبي عرفه العالم بتوقيع الكشف على 62 مليون مصري في ربوع الجمهورية وتم الكشف عن أربعة ملايين مريض بالڤيروس تم علاجهم جميعاً على مدى الخمس سنوات الماضية.

ولذا كان إعلان منظمة الصحة العالمية أن مصر دولة خالية من ڤيروس C تتويج لمسيرة عنوانها إرادة التغيير، بل وحصول مصر على جائزة المستوى الذهبي من ذات المنظمة هو تقديراً مستحق واحقاقاً للحق، ليس فقط في القضاء على الڤيروس داخل مصر بل وامتداد المساعدات للعديد من الدول الإفريقية من منطلق الدور المنوط بمصر من التزامها نحو أشقائها من الأفارقة، وامتدت المساعدات للقارة الأسيوية لمساعدة الدول التي أثقل كاهلها عبء المرض وسياطه التي تلهب كيان الأسرة.

شبح آخر قضت عليه الإدارة المصرية وانتصار آخر للإرادة الرئاسية في الخلاص من اشباح الظلام التي تهدد وتهد بنيان الأوطان، انتصرنا على الإرهاب وهزمنا مرض كان يشي بمستقبل كالضباب، وسعي الدولة جاد في القضاء على أشباح الفقر والجهل، ومن يقدر على ما فات قادر لاستكمال ما هو آت، فالمعجزة التي حققتها الدولة المصرية في ملف الرعاية الصحية انجاز غير مسبوق واعجاز لدولة تتلمس طريقها الملئ بالتحديات والسدود.

فالقضاء على قوائم الانتظار للعمليات الجراحية وحملات الرئاسة المستمرة لعلاج التقزم عند الأطفال، والكشف المبكر عن الأمراض الوراثية في حديثي الولادة، وحملات الكشف عن الأورام لدى النساء، وحملات طرق الأبواب التي وصلت لثمانية مليون زيارة منزلية للتوعية بوسائل تنظيم الأسرة، ومساعدة مليون ونصف سيدة في استخدام وسائل تنظيم الأسرة المناسبة، واستمرار حملة 100 مليون صحة والبدء في تنفيذ التأمين الصحي بخطوات حقيقية ويكفي أن حملات الصحة دعمت وشملت 23.5 مليون سيدة مصرية أي وتلك كلها انجازات للدولة المصرية تستحق عليها الاف الجوائز الماسية.