في إحدى عربات القطار المتجه من سوهاج إلى قنا، وبين أصوات المسافرين وضجيج العجلات على القضبان، كان القدر يخبئ قصة موجعة تُدمي القلوب.
داخل المقصورة، لفت انتباه الركاب صوت بكاء خافت، بكاء طفل لا يعرف من الدنيا سوى صرخاته الضعيفة، ملفوفًا في قطعة قماش مهترئة، وموضوعًا في زاوية لا يلتفت إليها أحد.
كان الرضيع يصرخ كأنه يستنجد، يبحث عن صدرٍ حانٍ، عن لمسة أم، عن عينين تمتلئان بالرحمة، لكن أمه لم تكن هناك، لقد غادرت بعيدًا، تاركة فلذة كبدها لمصير مظلم، بعدما أثقلتها الخطايا، فلم تجد سبيلًا إلا أن تفرّ منه، ومن ذنبها، ومن خوفها من المجتمع.
التحريات كشفت أن تلك الأم لم تكن إلا طالبة صغيرة لم تتجاوز عُمر الزهور، دفعتها لحظة ضعف وخيانة الأمانة إلى علاقة محرمة مع نجل عمها، فانتهت الحكاية بصرخة ميلاد بريء، لم يطلب القدوم إلى الدنيا، لكن الدنيا أبت إلا أن تستقبله بهذا الجحود.
تركت القاصر أمومتها على رصيف محطة "سوهاج"، ووضعت صغيرها في القطار، ثم هربت منه كمن يلقي حجراً ثقيلاً من على صدره، غير أن الحجر لم يسقط في صمت، بل سقط على قلوب الجميع، فأوجعهم وأبكاهم.
وعندما قبضت قوات الأمن عليها، جلست الفتاة تبكي بحرقة، لكنها لم تبكِ على نفسها بقدر ما بكت على ذاك الطفل الذي لفظته بين الحديد والضوضاء، دون أن تودّعه، دون أن تمنحه حضنًا أخيرًا.
طالبة تُلقي رضيعها بقطار "سوهاج/ قنا" في جريمة تهز الصعيد
وتعود أحداث الواقعة عندما تلقى اللواء مدير أمن قنا، إخطارًا من مأمور قسم شرطة النقل والمواصلات، يفيد بالعثور على طفل رضيع مجهول داخل القطار القادم من القاهرة في اتجاه قنا.
على الفور، انتقلت الأجهزة الأمنية لمكان البلاغ، وبالفحص وإجراء التحريات المكثفة، تبيّن أن وراء الواقعة طالبة تقيم بمحافظة سوهاج، أنجبت الطفل نتيجة علاقة غير شرعية مع نجل عمها، لتقرر التخلص منه أثناء توقف القطار بمحطة سوهاج، تاركة إياه لمصير مجهول.
وتمكنت قوات الأمن من تحديد هوية الطالبة وضبطها، وبمواجهتها أقرت تفصيليًا بارتكاب الواقعة. جرى تحرير محضر بالحادث.
وأُخطرت النيابة العامة التي تولت مباشرة التحقيقات لكشف كافة الملابسات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.