قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

السفير عاطف سالم لـ صدى البلد: اغتيالات إسرائيل عقيدة سياسية.. "العدوان على الدوحة" جرس إنذار .. الحصانة الأمريكية لـ نتنياهو تهدد بانفجار إقليمي

السفير عاطف سالم
السفير عاطف سالم
  • رسالة مصر إلى الأمريكان واضحة وحاسمة 
  • تل أبيب رسخت نهج الاغتيال كأداة مركزية في عقيدتها الأمنية والسياسية
  • استهداف الدوحة لم يكن مفاجئا
  •  الخلاف الإسرائيلي حول قطر كان على التوقيت لا على المبدأ
  • واشنطن تمنح إسرائيل الحصانة.. فما الذي يحق لبقية دول العالم أن تفعله؟

لم يكن القصف الإسرائيلي الأخير على الدوحة، في محاولة لاغتيال قيادات من حركة حماس، حدثا استثنائيا في سجل الصراع، بل حلقة جديدة ومتطورة في سلسلة ممتدة من تاريخ دموي اختارت فيه إسرائيل أن تجعل الاغتيال نهجا ثابتا في عقيدتها الأمنية، فمنذ عقود، رسخت تل أبيب قناعة مفادها أن الضربة المباشرة أكثر جدوى من أي مسار دبلوماسي، وهو ما يفسر آلاف العمليات التي وثقتها كتب ومذكرات،وأكدها دبلوماسيون ومراقبون، ليبقى السؤال: هل تحولت الاغتيالات إلى بديل دائم عن السياسة في العقل الإسرائيلي؟

 في هذا الصدد.. قال السفير عاطف سالم، سفير مصر السابق في تل أبيب، إن قرارات الاغتيال في إسرائيل تعود بالأساس إلى رئيس الحكومة نفسه، فهو صاحب القرار الأول والأخير، ولا يمر هذا القرار عبر الكنيست أو أي جهة تشريعية أخرى، فدور الأجهزة الأمنية يقتصر على رفع توصية أو إبلاغه بنيتها تنفيذ عملية اغتيال، ليمنح الموافقة مباشرة من دون المرور بأي مراجعة إضافية. 

وأوضح السفير عاطف سالم، سفير مصر السابق في تل أبيب، خلال تصريحات خاصة لـ “صدى البلد”، أن هذا الأمر تناوله الصحفي والخبير الاستخباراتي الإسرائيلي رونين بيرجمان في كتابه الشهير «اقتل أولاً: التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية»، حيث رصد فيه سبعين عاماً من هذا التاريخ الدموي. 

ويشير بيرجمان إلى أن إسرائيل نفذت خلال تلك الفترة ما يقارب 2700 عملية اغتيال ناجحة، هذا بخلاف المحاولات الفاشلة أو العمليات التي لم تُستكمل، علماً بأن الكتاب صدر منذ نحو ثمانية أعوام، أي أن هذا الرقم لا يشمل ما جرى خلال السنوات الأخيرة التي شهدت بدورها عدداً كبيراً من العمليات. 

سياسة الاغتيال الاسرائيلية 

ويخلص بيرغمان في كتابه إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعد أقوى آلة اغتيال في التاريخ الحديث، وهو ما رسّخ قناعة راسخة لدى الساسة الإسرائيليين بأن الطريق الأقصر لتحقيق الأهداف لا يمر عبر الدبلوماسية أو الحلول السياسية، بل عبر الاستخبارات والعمليات الخاصة والاغتيالات. هذه الذهنية جعلت الاغتيال خياراً أساسياً في الفكر الإسرائيلي، بل وأداة مركزية في سياساته. 

و أشار سالم أنه بالنظر إلى استهداف قيادات حركة حماس، وما سبقها من سلسلة عمليات طالت شخصيات فلسطينية وقيادات في المقاومة، بل وحتى علماء وخبراء أجانب، مضيفا إلى محاولات اغتيال العلماء الألمان الذين عملوا في برنامج الصواريخ المصري في الستينيات، أو اغتيال السيد عباس الموسوي، ثم استهداف قيادات من بعده تباعاً، لنفهم أن سياسة الاغتيال بالنسبة لإسرائيل ليست مجرد خيار عابر، بل نهج متجذر في استراتيجيتها الأمنية والسياسية. 

و أكد السفير عاطف سالم، أن تسليط الضوء على هذه الخلفية التاريخية ضروري لفهم ما يحدث اليوم من وقائع و أحداث، ولماذا تظل إسرائيل أسيرة لفكرة أن الاغتيال هو الحل الأسرع والأسهل لتحقيق أهدافها. 

عملية الدوحة لم تكن مفاجئة 

و أضاف سالم، إن كل الاحتمالات باتت مفتوحة بعد السابع من أكتوبر، في ظل ائتلاف حكومي متطرف، ودعم أمريكي غير مسبوق، وتراجع قدرة المؤسسات الدولية على محاسبة تل أبيب، ورغم أن عملية "الدوحة" بدت مفاجئة للبعض، إلا أن مؤشرات عديدة سبقتها؛ إذ وُجهت اتهامات متكررة من أعضاء في الكونغرس الأمريكي ومن مسئولين في الكنيست لقطر بدعم حماس.

 كما أوضح أن اللافت في الخلاف داخل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية لم يكن على مبدأ العملية، بل على توقيتها؛ إذ عارض كل من رئيس الموساد، ورئيس الأركان إيال زامير، ورئيس الاستخبارات العسكرية توقيت الضربة، بينما لم يعترضوا على استهداف الدوحة بحد ذاته، بعض المحللين الإسرائيليين وصفوا القرار بأنه متهور ويحمل عواقب استراتيجية خطيرة، وقد يؤدي إلى إفشال صفقة تبادل الأسرى. 

القرار في إسرائيل فردي 

و أضاف سالم، أن المؤشرات تؤكد أن القرار في إسرائيل بات يُتخذ بشكل فردي دون الرجوع إلى مؤسسات صنع القرار، وهو ما يعكس حالة انهيار في المنظومة السياسية. فرئيس الوزراء خرج بعدها ليعلن أن الدول التي تؤوي "إرهابيين"، في إشارة إلى حماس، إما أن تطردهم أو تحاكمهم، وإلا ستتولى إسرائيل ملاحقتهم بنفسها. 

وتابع: بالرغم من ما يروج عن خلافات بين واشنطن وتل أبيب بشأن هذه العملية، إلا أن معطيات عديدة تشير إلى أن التنسيق كان قائماً، إذ يصعب تصور أن إسرائيل تقدم على هجوم في قلب الدوحة دون ضوء أخضر أمريكي. 

كما تحدث السفير عاطف سالم حول، بيان مجلس الأمن الأخير الذي جاء في صورة بيان صحفي، أدان الهجمات التي وقعت في الدوحة، مؤكداً على خطورتها في تصعيد الموقف، ومشدداً على أهمية الدور القطري في جهود الوساطة. 

اللافت أن البيان لم يذكر إسرائيل بالاسم، ولم يشر إليها بشكل مباشر، وذلك تجنباً لاحتمال اعتراض الولايات المتحدة على البيان ورفضها التوقيع عليه. وأوضح، لقد وصلنا إلى مرحلة يُدان فيها الحدث دون الإشارة إلى الجهة التي ارتكبته، أما على الأرض، فالخطوة التي وقعت في قطر لم تغيّر موازين القوى، ولم تفتح أي أفق سياسي لحل الأزمة. 

وأضاف أنه حتى في حال نجاح عملية الاغتيال بشكل كامل، فإن المشكلة ستظل قائمة، خاصة أن اثنين من المستهدفين ، بحسب المعلومات المتوافرة ، أصيبوا فقط ولم يُقتلوا، وهذه العملية قد تؤدي لزيادة التوتر، بل وربما تدفع إسرائيل نحو عزلة متزايدة في الخليج والعالم العربي، في الوقت الذي تكشف فيه عن ضعف وهشاشة الموقف العربي بشكل عام. 

رسالة واضحة وحاسمة لواشنطن 

وتابع سالم، أنه في إسرائيل، ظهرت تقارير تتحدث عن احتمال توسيع نطاق العمليات ليشمل تركيا، على غرار ما حدث في الدوحة ضد حماس، غير أن أنقرة أحبطت بالفعل عدداً كبيراً من محاولات التجسس الإسرائيلية التي استهدفت شخصيات فلسطينية على أراضيها، مضيفا أن تركيا شهدت قبل نحو شهر محاكمة لـ 57 متهماً بالتجسس لصالح الاستخبارات الإسرائيلية، وهو ما يؤكد أن أنقرة تتابع هذه التحركات بدقة وتعمل على إحباطها، أما القاهرة، فقد وجهت رسالة واضحة للولايات المتحدة، حذرت فيها من عواقب وخيمة إذا حاولت إسرائيل تنفيذ أي عمليات على الأراضي المصرية. 

و أشار السفير عاطف سالم، إلى أن إسرائيل تدرك أن عمليات الاغتيال تغيّر قواعد اللعبة وتعيد صياغة الأوضاع في المنطقة، وهي في الوقت نفسه قادرة على تنفيذها في أي مكان، دون قيود أو ضوابط، لأنها محمية من القانون الدولي، ومن المؤسسات الأممية العاجزة، ومن الولايات المتحدة الداعمة، وكذلك من تردد الدول الغربية في اتخاذ خطوات عقابية جدية. فمنذ ثلاثة أشهر والدول الأوروبية تناقش احتمالية تعليق جزء من اتفاقية الشراكة التجارية مع إسرائيل أو تأجيل بعض بنودها، لكن لم يُنفذ شيء حتى الآن.

 وذكر أنه في ظل هذا الموقف، يظل خطاب حقوق الإنسان والعدالة الدولية مجرد شعارات، بعدما أفسدت القوى الغربية النظام الدولي بعجزها وتناقضاتها. الاستثناء كان في مواقف محدودة من دول مثل إسبانيا، أيرلندا، والكويت، التي اتخذت إجراءات فردية قوية، إلى جانب دول أخرى أظهرت مواقف محترمة. 

و اختتم عاطف سالم سفير مصر السابق في تل أبيب حديثه، قائلا: إنه حتى داخل مجلس الأمن، بدت المناقشات متناقضة؛ حيث تحدث ممثلو بعض الدول بلغة واضحة في إدانة التصعيد، بينما ذهب داني دانون، المندوب الإسرائيلي، في اتجاه مغاير تماماً. والمفارقة هنا أن الولايات المتحدة تبرر هذا النهج وتغطيه، ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: إذا كانت واشنطن تمنح إسرائيل هذه الحصانة، فما الذي يحق لبقية دول العالم أن تفعله؟