تتسارع التحركات الدبلوماسية في أروقة مجلس الأمن الدولي في ظل المساعي الأميركية لبلورة رؤية جديدة لإدارة الأوضاع في قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار الأخير.
ويثير هذا التحرك موجة من الجدل السياسي والقانوني، خاصة مع ما يتردد عن نية واشنطن إنشاء قوة دولية ذات تفويض موسع يتجاوز المفهوم التقليدي لقوات حفظ السلام، الأمر الذي تعتبره الفصائل الفلسطينية مساسا مباشرا بالسيادة وحق الشعب الفلسطيني في إدارة شؤونه الداخلية.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور جهاد أبو لحية هو أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطيني، إن المسودة الأميركية تطرح لإنشاء ما يعرف بـ "قوة التثبيت الإنفاذ الدولية في قطاع غزة" إشكالات قانونية خطيرة تتعلق بطبيعة التفويض المقترح ومدى اتساقه مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وأضاف أبو لحية- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن فالمشروع، كما يبدو من تفاصيله، لا يندرج ضمن مفهوم "حفظ السلام" التقليدي الذي يقوم على الحياد والموافقة وعدم استخدام القوة إلا للدفاع عن النفس، وإنما ينتمي إلى مفهوم "الإنفاذ" المستند إلى الفصل السابع من الميثاق، والذي يتيح لمجلس الأمن استخدام القوة لفرض قراراته دون الحاجة إلى موافقة الأطراف المعنية.
وأشار أبو لحية، إلى أن تاريخيا، فرق القانون الدولي بين قوات حفظ السلام التي نشهدها في لبنان أو جنوب السودان مثلا، وهي بعثات رقابية محدودة الصلاحيات، وبين قوات الإنفاذ التي وجدت في حالات مثل التحالف الدولي لتحرير الكويت أو بعثة كوسوفو، والتي امتلكت سلطات واسعة شملت التدخل العسكري المباشر وإدارة شؤون الإقليم.

وتابع: "من منظور القانون الدولي، يعد إدخال قوة إنفاذ أجنبية بهذا الشكل انتهاكا لمبدأ السيادة الوطنية المنصوص عليه في المادة (2/7) من ميثاق الأمم المتحدة، خاصة في ظل غياب دولة فلسطينية كاملة السيادة".
واختتم: "وكان الأجدر بالمجتمع الدولي دعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي يجري تدريبها في مصر لتتولى مسؤولية الأمن الداخلي، بينما يقتصر الوجود الدولي على مراقبة الحدود وتنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في اتفاق شرم الشيخ".
وذكر موقع "أكسيوس" الأميركي أن الولايات المتحدة بدأت حراكا داخل مجلس الأمن الدولي بهدف استصدار قرار ينشئ قوة دولية بصلاحيات واسعة في قطاع غزة.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تؤكد فيه الفصائل الفلسطينية رفضها لأي وجود عسكري أجنبي على الأرض، إلا في إطار قوات فصل ومراقبة للحدود تتولى متابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار فقط.
وبحسب ما أورده الموقع، أرسلت واشنطن مسودة مشروع القرار إلى عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وتتضمن تشكيل قوة دولية تتولى إدارة القطاع وتوفير الأمن فيه، وذلك في سياق تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، وبالاستناد إلى خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمرحلة التي تلي الحرب.
وتشير المسودة الأميركية إلى منح الولايات المتحدة والدول المشاركة تفويضا شاملا لإدارة الحكم المؤقت في غزة، من خلال إنشاء كيان يعرف باسم "مجلس السلام"، بحيث يستمر عمل هذا المجلس حتى نهاية عام 2027 على الأقل.
كما توضح الوثيقة أن القوة الدولية المزمع تشكيلها ستكون مسؤولة عن تأمين حدود القطاع وحماية المدنيين والممرات الإنسانية.
وستتولى كذلك تدمير ما تصفه بالبنية التحتية العسكرية في غزة، ومنع إعادة بنائها مستقبلا، إلى جانب تنفيذ خطة لنزع السلاح وتدريب قوة شرطة فلسطينية شريكة تتولى إدارة الشؤون الأمنية الداخلية.
ووفقا لما نقله الموقع عن مصادره، تزعم واشنطن أن الهدف من إنشاء هذه القوة هو "تثبيت الاستقرار الأمني وضمان نزع السلاح من غزة"، على أن تقدم القوات الإسرائيلية دعما ميدانيا في حال تطلب تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار تدخلا إضافيا.
ونقل "أكسيوس" عن مسؤول أميركي قوله إن المسودة الأميركية ستكون نقطة انطلاق للنقاش بين أعضاء مجلس الأمن خلال الأيام القليلة المقبلة، مضيفا أن الولايات المتحدة تأمل بالتصويت على القرار خلال الأسابيع القادمة، تمهيدا لنشر أولى وحدات القوة الدولية في يناير المقبل.
وأوضح المسؤول ذاته أن القوة المزمع إنشاؤها ستكون "قوة إنفاذ" لا "حفظ سلام"، أي أنها ستعمل بموجب تفويض من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وستضم وحدات عسكرية من عدة دول تُختار بالتنسيق مع مجلس السلام في غزة، لتتولى مهام تنفيذية شاملة لا تقتصر على المراقبة أو الدعم الإنساني.
والجدير بالذكر، أن مصر سوف تقوم إستضافة المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة في نوفمبر الجارى ، مما يؤكد نجاح دور مصر الريادي في القضية الفلسطينية وجهودها الحثيثة لوقف إطلاق النار في غزة.
ومصر كانت أوائل التي كانت لديها استراتيجية واضحة بشأن إعادة إعمار غزة في ظل الحرب الشعواء التي كانت تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل الذي ظل صامدا عامين في ظل حرب الإبادة الجماعية وسياسة التجويع التي مارستها إسرائيل ضد الفلسطينيين.



