ناقصات عقل ودين!
ترجع أهمية إعادة قراءة رواية "ناقصات عقل ودين" المنسوبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلى هدفين، الأول هو معرفة مكانة المرأة عنده عليه الصلاة والسلام، والثاني هو التأكد من صحة الرواية.
فالفتاة المسلمة تتربى على أنها ناقصة عقل ودين، وتقتنع أغلب النساء بهذا النقص, فإحدى الداعيات المسلمات ترى أن جملة "ناقصات عقل و دين" لا تعتبر إهانة للمرأة وإنما تكشف عن طبيعتها التي تغلب عليها العاطفة، وهى ميزة تناسب مهمتها في الحياة، لأنها تعطي من العاطفة أكثر ومن التفكير العقلي أقل، وكلامها به مغالطات، فناقصة العقل تكون سفيهة لأن إدراكها للأمور لا يكون سليماً، ولا علاقة للعاطفة بنقصان العقل، فالعقل عكسه السفه، والعاطفة عكسها قسوة القلب.
وأصل الجملة هو رواية في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟، قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير.
ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها".
وكما نعلم فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يحضر إلا أضحى واحد فقط فى سنة 9 هـ، ومع ذلك فالراوي لا يدري إن كان ما يرويه قد حدث في عيد الأضحى أو في عيد الفطر؟، وبالتالي فالراوي غير حافظ وهذا عيب، وبذلك يكون السند ضعيف لجرح الراوي وكذلك الرواية.
وفى الرواية أن النساء يكثرن اللعن ويكفرن العشير، لكن الرجال أيضاً يكثروا اللعن، والرجال أيضاً يكفروا العشير عندما يتركون أولادهم وأزواجهم، كما أن وصف النساء بأنهن يذهبن بلب الرجل الحازم فهذا لا يحدث إلا من نساء يتصفن بالخلاعة وسوء الخلق، واطلاق صفة نقصان العقل على كل النساء بما فيهن السيدة مريم وامرأة فرعون وأمهات المؤمنين مثل السيدة خديجة والسيدة عائشة التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: "خذوا نصف دينكم من الحميراء"، وبنات النبي مثل السيدة فاطمة، فكل ما سبق كلام لا يتكلم به عليه الصلاة والسلام، كما أن هذه الرواية لا يؤخذ منها عقيدة ولا حكم.
وإن كان سبب نقصان العقل هو أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، فبقراءة آية البقرة 282 كاملة، نجد أن الشهادة المقصودة خاصة بالعقود المالية فقط وهدفها حفظ الحقوق، وموضوع الشهادة يتطلب أكثر من شاهد حتى يتم التأكد بأنه لا يوجد خطأ فى شروط العقد، ونلاحظ أن الرجلين تم تسميتهما شهيدين فى حين أنه لم تتم تسمية المرأتين كشهيدتين، وذلك لأن إحداهما شاهدة والأخرى تساعدها وتذكرها إذا ما أخطأت.
ويعتبر البعض أن (تَضِلَّ) فى الآية تعني النسيان مع أن لكل كلمة معنى محدد بدليل وجودهما في آية واحدة: (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّى وَلَا يَنسَى) طه 52، مما يعنى أنهما ليستا بنفس المعنى، فكلمة ضل تدل على الانحراف عن الحق، بينما كلمة نسى تدل على عدم القدرة على التذكر، فصفة الضلال موجودة عند الرجل أيضاً، ولو كانت صفة النسيان أصيلة فى المرأة فلن تستطيع إحداهما أن تذكر الأخرى حسب الآية.
وإن كان سبب النقص فى الدين هو الحيض فهذا شىء خلقها تعالى عليه، والله يساوى بين الرجال والنساء فى العبادات فيقول: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب 35، لم يذكر تعالى أن أجر عمل المرأة ناقص لنقصان دينها، وأجر عمل الرجل كامل لكمال دينه.
فالنساء يشاركن الرجال فى كل رخص العبادات، ومنها إفطار الصائم فى المرض والسفر، وقصر الصلاة وجمعها فى السفر، ثم يزدن عن الرجال فى رخص خاصة منها سقوط فرائض الصلاة وصيام رمضان عن الحائض والنفساء، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، فالتزام المراة بهذه الرخص هو واجب عليها وليس عيباً ينتقص منها.
وبما أن العقل فى الإسلام هو مصدر التكليف، فلو كانت المرأة ناقصة عقل لوجب أن تنقص تكاليف العبادات للنساء عن الرجال، فتكون تكاليفهن فى الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها أقل من تكاليف الرجال.
فالله تعالى لم يخبرنا أنه خلق النساء ناقصات: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (السجدة7 ، وإذا كان تعالى خلق المرأة ناقصة عقل ودين، لوجب اعفاءها من الحساب على بعض أعمالها، ويبقى أن المرأة المسلمة لو كانت ناقصة عقل ودين فإنها ستنجب وتربي ذكوراً ناقصين عقل ودين أيضاً.