الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سوستة وتمور وحليب

كريمة أبو العينين
كريمة أبو العينين

عندما دعيت لحضور ندوة حول تدهور الحس الفنى بين الأسباب والتحديات، كنت متخوفة من أن تكون مجرد كلام يضاف إلى أبو الحديث كما يقولون عندنا فى الأمثال الشعبية.

 

وفى طريقى إلى مقر الندوة فى وسط البلد أخذت تاكسى من مسكنى فى المعادى وكان السائق شابا يقترب من الثلاثين ووجهه يحمل فتوة الشباب وإرادته وفرحته فجلست فى مقعدى اتحسر على العمر الذى ينقضى والشباب الذى تولى.

 

 فى الوقت الذى كنت أسترجع فيه صولاتى وجولاتى فى شبابى المأسوف عليه اذ بسائق التاكسى يشغل أغنية كما قال لى : اسمعى ياهانم وانبسطى . ولم ينتظر ردى ولا موافقتى من عدمها واذ بى أسمع شابا ينادى ويولول ويندب من أسماها شيماء، والسائق يتمايل مع كلمات الأغنية وينفعل وكأنه يسمع عاد الربيع أو جبار أو نهج البرده أو يمسافر لوحدك ؛ انتهت الأغنية لنعرف فى آخرها أن شيماء ليست بشرا ولكنها نوع من الطيور، حينها نظر لى السائق فى المراية قائلا وهو فخور بصاحب الأغنية ويسمى سوسته قال لى : حضرتك عارفة الأغنيه ديه جابت كام متابع وكام مليون خدهم صاحبها فى ساعة زمن ؟ وقبل أن أسأله جاءت إجابته صادمة بأرقام مخيفة مجنونة إن دلت على شىء انما تدل على خطورة المرحلة الفنية التى وصلنا إليها وأيضا خطورة وسائل الاجتماعى او مايطلق عليه سوشيال ميديا.

 

وفى صدمتى لم يتركنى بل وزاد من الطين بلة وشغل أغانى أخرى كثيرة كلها تندرج تحت بند أغانى المهرجانات المعروفة حاليا واختتمها بأغنية مثار للجدل والقلق على الساحة لتغيير مطربها جملة بجملة تمور وحليب وتعليقه بأن التغيير جاء لقدسية المكان.

 

اقتربت من الوصول إلى مكان الندوة والتى يشارك فيها رموز من المجتمع الفنى الراقى وأعلام من الثقافة والإعلام ؛ ووجدت نفسى تقول لى ماذا سيقولون وسيفعلون إن الطوفان إذا جاء لن يحوله كلام ولا توصيات ولا مبادرات ؛ المرحلة تقتضى تشريعات نافذة ونخبة متفهمة تعيد إلى الجمهور ذوق الماضى الجميل برقيه وحلاوته، المرحلة التى نعيشها تشبه ما عاناه شعب يأجوج ومأجوج من ظلم وسلب ونهب  المأجوجين الاثنيين والمطلوب لمواجهتها تكاتف الكل لبناء سور قيمى هادف يواجه مهاترات المهاترين وعبث العابثين . 

 

المرحلة لاينفع فيها كلام ولا شعارات فهى بحاجة الى فهم وادراك وذوق راقى . وبين ماسمعت وما أنا على قناعة به قررت العودة إلى بيتى؛  وأذنى تطن بمناداة الطير والغوص فى الحليب واستساغة التمور ؛ اما قلبى فكان ماضيا فى قلب الماضى يعيش مع عمالقة الطرب وأصحاب الحناجر الجميلة.