الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بسبب كتابه عن حكم النبي محمد .. رسائل نادرة متبادلة بين الإمام محمد عبده والروائي الروسي تولستوي

صدى البلد

كان الإمام محمد عبده والأديب والروائي الروسي ليو تولستوي من أعظم المفكرين في عصرهما، ولقد قدما إسهامات مهمة للبشرية في مجال الفكر والتنوير والإلهام، على الرغم من اختلاف ديانتهما.

عاش الإمام محمد عبده في مصر، وقد كان رائدًا في تجديد الخطاب الديني والتنوير. أما ليو تولستوي، فكان روائيًا وأديبًا روسيًا مشهورًا. وعلى الرغم من أنهما عاشا في نفس الفترة الزمنية، إلا أن تأثيرهما الفكري أدى إلى نهضة تعتبر إنسانية وتلهم الآخرين بالحب والتسامح وتنير العقول وتلهم القلوب.

تولستوي

رغم اختلاف المسافات الجغرافية بينهما، إلا أنهما تواصلا وتبادلا الأفكار والرسائل، فقد قرأ الشيخ محمد عبده روايات تولستوي وكتابه حول حكم النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد كان تولستوي، على الرغم من ديانته المسيحية، معجبًا بالنبي محمد ومحبًا للإسلام، حيث رأى فيه دينًا راقيًا يدعو للسلام والحياة وتطوير الإنسان. وقد أعجب الشيخ محمد عبده بالأديب الروسي وقرر قراءة رواياته.

اتفق الاثنان على أن الدين والإنسان يشكلان أساس الحياة، وأن قيمة الإنسان لا تقدر بثمن. وجاء الدين لينهض بنفس الإنسان وعقله، لكي يبني ويحسن الحياة.

ويذكر الدكتور مالك منصور، حفيد الإمام محمد عبده، أن هناك رسالتين متبادلتين بين جده الإمام وتولستوي محفوظتين في متحف تولستوي بموسكو. وتعتبر هاتين الرسالتين شاهدتين على تسامح الأديان وعظمة الرجلين ودعوتهما للخير والحب ونبذ التعصب. ويضيف أن جده كتب الرسالة النادرة بخط يده وأرسلها بالبريد، وكان في ذلك الوقت يشغل منصب مفتي مصر، ورد عليه تولستوي برسالة أخرى رقيقة ومليئة بالمحبة والنبل والقيم الإنسانية الجميلة.

تولستوي

نبدأ برسالة الإمام محمد عبده وتقول تفاصيلها:

"عين شمس - ضواحي القاهرة - فى 8 إبريل 1904

أيها الحكيم الجليل مسيو تولستوي

لم نحظ بمعرفة شخصك ولكن لم نحرم التعارف بروحك، سطع علينا نور من أفكارك، وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك، هداك الله إلى معرفة الفطرة التي فطر الناس عليها، ووقفك على الغاية التي هدى البشر إليها، فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود لينبت بالعلم ويثمر بالعمل، ولأن تكون ثمرته تعباً ترتاح به نفسه وسعياً يبقى ويرقي به نفسه، شعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة واستعملوا قواهم التي لم يمنحوها إلا ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم و زعزع طمأنينتهم، نظرت نظرة في الدين مزقت حجب التقاليد ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد، ورفعت صوتك تدعو إلى ما هداك الله إليه وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه، فكما كنت بقولك هادياً للعقول كنت بعملك حاثاً للعزائم والهمم".

وتضيف رسالة محمد عبده: "وكما كانت آراؤك ضياء يهتدي به الضالون، كان مثالك في العمل إماماً يقتدي به المسترشدون، وكما كان وجودك توبيخاً من الله للأغنياء كان مدداً من عنايته للفقراء، وإن أرفع مجد بلغته وأعظم جزاء نلته على متاعبك في النصح والإرشاد هو الذي سموه بالحرمان والإبعاد، فليس ما كان إليك من رؤساء الدين سوى اعتراف منهم أعلنوه للناس بأنك لست من القوم الضالين، فاحمد الله على أن فارقوك بأقوالهم، كما كنت فارقتهم في عقائدهم وأعمالهم، هذا وإن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك فيما تستقبل من أيام عمرك. وإنا لنسأل الله أن يمد في حياتك ويحفظ عليك قواك، ويفتح أبواب القلوب لفهم ما تقول ويسوق الناس إلى الاهتداء بك فيما تعمل والسلام.

مفتي الديار المصرية

محمد عبده

إذا تفضل الحكيم بالجواب فليكن باللغة الفرنسبة فأنا لا أعرف من اللغات الأوروبية سواها
محمد عبده"

ورد تولستوي بخطاب رقيق إلى محمد عبده يقول فيه:

"المفتي محمد عبده

صديقي العزيز

تلقيت خطابك الكريم الذي يفيض بالثناء علي، وأنا أبادر بالجواب عليه مؤكداً لك ما أدخله علي نفسي من عظيم السرور حين جعلني على تواصل مع رجل مستنير، وإن يكن من أهل ملة غير الملة التي ولدت عليها وربيت في أحضانها، فإن دينه وديني سواء لأن المعتقدات مختلفة وهي كثيرة، ولكن ليس يوجد إلا دين واحد هو الصحيح، وأملي ألا أكون مخطئا إذا افترضت، استناداً إلى ما ورد في خطابك، أن الدين الذي أؤمن به هو دينك أنت، ذلك الدين الذي قوامه الإقرار بالله وشريعته والذي يدعو الإنسان إلى أن يرعى حق جاره، وأن يحب لغيره ما يحب لنفسه. وأود أن تصدر عن هذا المبدأ جميع المبادئ الصحيحة، وهي واحدة عند اليهود وعند البرهمانيين والبوذيين والمسيحيين والمحمديين.

واعتقادي أنه كلما امتلأت الأديان بالمعتقدات والأوامر والنواهي والمعجزات والخرافات تفشي أثرها فى إيقاع الفرقة بين الناس، ومشت بينهم تبذر بذور العداوة والبغضاء. وبالعكس كلما نزعت إلى البساطة وخلصت من الشوائب اقتربت من الهدف المثالي الذي تسعى الإنسانية إليه، وهو اتحاد الناس جميعاً.

من أجل ذلك ابتهجت بخطابك ابتهاجاً غامراً، وودت أن تقوى بيننا أواصر القربى والتواصل.

تفضل أيها المفتي العزيز محمد عبده بقبول وافر التقدير".