حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل الدائر حول مسألة قراءة القرآن الكريم دون وضوء، موضحة الفروق الدقيقة بين القراءة من المصحف الورقي والقراءة من الحفظ أو عبر الوسائل الإلكترونية، خاصة في المواقف المرتبطة بزيارة القبور والدعاء للمتوفين.
وفي هذا السياق، بيّن الدكتور أحمد العوضي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الطهارة ليست شرطًا لصحة قراءة سورة الفاتحة أو غيرها من سور القرآن الكريم، سواء كان ذلك في أي مكان أو حتى عند الوقوف على قبر الميت.
وأكد أن قراءة القرآن في هذه الحالة جائزة شرعًا ولا حرج فيها، ما دام القارئ لا يمس المصحف الورقي.
وأوضح العوضي أن جمهور الفقهاء اشترطوا الطهارة من الحدث الأكبر عند حمل المصحف الورقي تحديدًا، معتبرين الوضوء من الآداب المستحبة عند تلاوة القرآن، وليس شرطًا لصحة القراءة نفسها.
وأضاف أن الأمر يختلف عند استخدام الوسائل الحديثة، مثل الهاتف المحمول أو الجهاز اللوحي أو الحاسوب، حيث لا يُشترط الوضوء في هذه الحالة، ويُتسامح فيها شرعًا.
وأشار إلى أنه لا مانع شرعًا من أن يقرأ الإنسان القرآن من حفظه أو من أي وسيلة غير المصحف الورقي وهو غير متوضئ، حتى وإن كان ذلك عند المقابر، كقراءة سورة يس أو غيرها بنية الاستغفار والدعاء للميت، مؤكدًا أن هذا الفعل جائز ولا يتطلب وضوءًا.
هل قراءة القرآن من الهاتف يلزمها الوضوء؟
وتابع أمين الفتوى أن القراءة من الأجهزة الإلكترونية لا تستوجب الطهارة، وإن كان الوضوء أفضل وأكمل من باب تعظيم كلام الله، مستشهدًا بما ذكره الإمام النووي في كتابه “التبيان في آداب حملة القرآن”، حيث أشار إلى استحباب الوضوء عند التعامل مع القرآن الكريم، تعظيمًا لشأنه.
كما لفت إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على الوضوء عند قراءة القرآن، في دلالة واضحة على فضل الطهارة وأهميتها، إلا أن ذلك لا يعني بطلان القراءة بدون وضوء، إذ تظل صحيحة وجائزة شرعًا.
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور محمود شلبي، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن قراءة القرآن من المصحف الورقي لا تجوز بدون وضوء، لأن مس المصحف يشترط له الطهارة، مستدلًا بقوله تعالى: «لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» من سورة الواقعة.
وبيّن أن كثيرًا من الصحابة فسروا الآية بأن المقصود بها الملائكة، إلا أن تخصيص وصف “المطهرين” يدل على مكانة المصحف ووجوب صيانته بالطهارة.
وأكد شلبي هذا المعنى بما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مالك في “الموطأ”، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أن في الكتاب الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم: «ألا يمس القرآن إلا طاهر»، وهو ما اعتمد عليه الفقهاء في اشتراط الوضوء لمس المصحف.
وأشار إلى أن قراءة القرآن دون وضوء جائزة إذا لم يصاحبها مس للمصحف، فيجوز للمسلم أن يردد الآيات وهو يسير في الطريق، أو يقرأ من الهاتف المحمول دون وضوء، موضحًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله ويقرأ القرآن على أحواله كلها، إلا في حالة الجنابة، حيث لا يمس المصحف حتى يطهر.

