لم يأتِ لقب «المنقذ» الذي يلاحق اسم محمد صلاح مع منتخب مصر من فراغ، بل كان نتاج لحظات فارقة ظل فيها النجم الأول حاضرًا عندما اشتدت الأزمات وتعقّدت الحسابات، في كل مرة بدا فيها الطريق مسدودًا، ظهر صلاح ليغيّر الواقع بهدف، أو لمسة، أو موقف قيادي يعيد الفريق إلى المسار الصحيح، مؤكدًا أنه لاعب اللحظات الكبرى دون منازع.
مونديال روسيا 2018.. ليلة الميلاد التاريخي
تبقى واحدة من أكثر لحظات محمد صلاح رسوخًا في ذاكرة الكرة المصرية، قيادته للمنتخب الوطني للصعود إلى كأس العالم 2018 بعد غياب دام 28 عامًا.
في تلك الليلة التاريخية أمام الكونغو، تحمّل صلاح مسؤولية لم يتحملها لاعب مصري منذ عقود، وضغط جماهيري هائل، حلم وطن كامل، ومباراة كانت تسير على حافة الانهيار.
وعندما احتاجت مصر إلى قائد لا تهتز أعصابه، تقدّم محمد صلاح وسجّل هدفين تاريخيين، كان آخرهما من ركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة، ليطلق صافرة الفرح ويكتب اسمه بحروف من ذهب في سجل الكرة المصرية.
لم يكن مجرد هدف تأهل، بل لحظة إنقاذ كاملة لجيل بأكمله، أعادت مصر إلى الخريطة العالمية.
أمم أفريقيا المغرب.. صلاح حاضر في ضربة البداية
وفي بطولة كأس الأمم الأفريقية المقامة حاليًا في المغرب، كرر محمد صلاح عادته القديمة في الظهور عندما يحتاجه المنتخب، وخلال مواجهة زيمبابوي في الجولة الأولى من دور المجموعات، عانى منتخب مصر من بداية صعبة وتأخر في النتيجة، وسط توتر واضح داخل الملعب.
ومع تعقّد الموقف، ظهر القائد مجددًا، صلاح سجل هدف الفوز الذي أعاد الفراعنة إلى المباراة ومنحهم ثلاث نقاط ثمينة في بداية المشوار، مؤكدًا أن خبرته وقدرته على الحسم لا تزالان السلاح الأهم للمنتخب في اللحظات الحرجة. هدف لم يكن عاديًا، بل كان رسالة طمأنة لجماهير مصر بأن قائدهم ما زال في الموعد.
أهداف الإنقاذ في البطولات الكبرى
قائمة إنقاذات محمد صلاح للمنتخب لا تتوقف عند مونديال روسيا أو أمم أفريقيا الحالية. ففي أكثر من بطولة ومناسبة، كان نجم ليفربول هو كلمة السر في تجاوز العقبات.
سجل أهدافًا حاسمة في تصفيات كأس الأمم الأفريقية، وكان حاضرًا في مباريات مصيرية أعادت التوازن للفريق بعد فترات من التراجع.
في أمم أفريقيا السابقة، تحمّل صلاح عبء التسجيل في أوقات صعبة، وساهم بأهدافه في عبور مراحل معقدة، سواء في دور المجموعات أو الأدوار الإقصائية.
وحتى في المباريات التي لم يسجل فيها، كان دوره القيادي واضحًا، من خلال تحركاته التي تفتح المساحات، وهدوئه الذي ينعكس على زملائه داخل الملعب.
قائد داخل الملعب وخارجه
ما يميز محمد صلاح ليس فقط أرقامه، بل شخصيته القيادية التي نضجت مع السنوات. لم يعد مجرد جناح سريع أو هداف، بل أصبح عقلًا مفكرًا داخل الملعب، يوجّه زملاءه، يتحمّل الضغوط، ويختار اللحظة المناسبة للتدخل دون استعراض أو مبالغة.
وجود صلاح في التشكيل يمنح المنتخب ثقة إضافية، ويجبر الخصوم على حسابات خاصة، ما يخلق مساحات لزملائه ويغيّر شكل المباريات، هذا التأثير النفسي لا يقل أهمية عن الأهداف نفسها، ويُعد أحد أبرز أسباب اعتباره «منقذًا» في نظر الجماهير.
بين الحلم القاري والإرث التاريخي
ورغم كل ما حققه محمد صلاح بقميص المنتخب، يظل التتويج ببطولة كأس الأمم الأفريقية هو الحلم الأكبر الذي يسعى إليه ليكتمل إرثه الدولي.
ويدرك محمد صلاح أن التاريخ لا يُقاس فقط بعدد الأهداف، بل بالبطولات التي تُحسم في اللحظات الفاصلة، ولهذا يدخل كل مباراة بعقلية القائد الذي يعرف أن عليه إنقاذ الموقف متى طُلب منه ذلك.
محمد صلاح المنقذ هو خلاصة لاعب اعتاد حمل أحلام أمة كاملة على كتفيه. من ليلة الكونغو التاريخية، إلى هدف زيمبابوي في المغرب، مرورًا بعشرات اللحظات الحاسمة، ظل اسم صلاح مرتبطًا بالأمل والإنقاذ.



