الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعيدًا عن الشعر.. وظائف في حياة أحمد فؤاد نجم سفير الفقراء

أحمد فؤاد نجم
أحمد فؤاد نجم

مرت منذ أيام قليلة ذكرى ميلاد الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، المُلقب بـ "الفاجومي"، أحد أبرز شعراء العامية المصرية، الذي  تلازمت أشعاره مع ألحان وغناء رفيق دربه الشيخ إمام؛ لتعبر عن روح الاحتجاج الجماهيري الذي بدأ بعد نكسة 1967.

ولد أحمد فؤاد نجم في الثاني والعشرين من مايو عام 1929، في قرية "كفر أبو نجم"، بمدينة أبو حماد التابعة لمحافظة الشرقية،  لأم ريفية أمية من الشرقية هانم مرسي نجم، وأب يعمل ضابط شرطة هو محمد عزت نجم، وكان أحمد ضمن سبعة عشر من الأبناء، لم يبق منهم سوى خمسة، والسادس فقدته الأسرة ولم يراهم.

التحق أحمد فؤاد بالكتّاب في قريته، وأدت وفاة والده إلى انتقاله إلى بيت خاله حسين بالزقازيق، حيث التحق بملجأ أيتام عام 1936 –والذي قابل فيه الفنان عبد الحليم حافظ– ليخرج منه عام 1945م، وعمره 17 عامًا، ثم عاد بعد ذلك لقريته للعمل راعيا للماشية، ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه؛ إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته. 

عمل نجم في معسكرات الجيش الإنجليزي؛ متنقلاً بين مهن كثيرة:  (مكوجي)، لاعب كرة، بائع، عامل إنشاءات وبناء، ترزي. وفي فايد، وهي إحدى مدن القنال التي كان يحتلها الإنجليز، التقى بعمال المطابع الشيوعيين، وكان في ذلك الوقت قد عَلَّم نفسه القراءة، والكتابة، وبدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى، كما اشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر عام 1946، وتشكلت أثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال. 

 

رواية الأم 

 

يقول أحمد فؤاد نجم: "كانت أهم قراءاتي في ذلك التاريخ هي رواية الأم لمكسيم جوركي، وهي مرتبطة في ذهني ببداية وعيي الحقيقي والعلمي بحقائق هذا العالم، والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته، ″ولم أكن قد كتبت شعراً حقيقيا حتى ذلك الحين وإنما كانت أغاني عاطفية تدور في إطار الهجر، والبعد، ومشكلات الحب الإذاعية، التي لم تنته حتى الآن... وكنت في ذلك الحين أحب ابنة عمتي وأتمناها، لكن الوضع الطبقي حال دون إتمام الزواج لأنهم أغنياء″. 

 

مقاطعة معسكرات الإنجليز 

 

خرج “نجم” مع 90 ألف عامل مصري من المعسكرات الإنجليزية، بعد أن قاطعوا العمل فيها على إثر إلغاء المعاهدة، وكان يعمل بائعًا حينئذ، فعرض عليه قائد المعسكر أن يبقى وإلا فلن يحصل على بضائعه، يقول: "ولكنني تركتها وذهبت".

في الفترة ما بين 1951 - 1965م اشتغل عاملاً في السكك الحديدية، وبعد معركة السويس؛ قررت الحكومة المصرية الاستيلاء على القاعدة البريطانية الموجودة في منطقة القناة، وعلى كل ممتلكات الجيش هناك، وكانت ورش ووابورات الزقازيق تقوم في ذلك الحين بالدور الأساسي، لأن وابورات الإسماعيلية والسويس وبورسعيد ضُربت جميعا في العدوان، وعن تلك الأحداث يقول أحمد فؤاد نجم: "بدأنا عملية نقل المعدات. وشهدتُ في هذه الفترة أكبر عملية نهب وخطف شهدتُها، أو سمعتُ عنها في حياتي كلها، أخذ كبار الضباط والمديرون ينقلون المعدات وقطع الغيار إلى بيوتهم... وفقدت أعصابي وسجلت احتجاجي أكثر من مرة... وفي النهاية نقلت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن تعلمت درساً كبيراً. أن القضية الوطنية لا تنفصل عن القضية الاجتماعية، كنت مقهورا وأرى القهر من حولي أشكالا ونماذج... كان هؤلاء الكبار منهمكين في نهب الورش، بينما يموت الفقراء كل يوم، دفاعا عن مصر...".

 

ساعي البريد 

 

عمل أحمد فؤاد نجم في وزارة الشؤون الاجتماعية طوافًا، يوزع البريد على العزب، والكفور، والقرى، وقال عن هذه الفترة: كنت أعيد في هذه المرحلة اكتشاف الواقع، بعد أن تعمقت رؤيتي وتجربتي، شعرت حينئذ رغم أنني فلاح وعملت بالفأس لمدة 8 سنوات، أن حجم القهر الواقع على الفلاحين هائل وغير محتمل، كنت أجد في الواقع المصري مرادفات حرفية لما تعلمته نظريا، كان التناقض الطبقي بشعًا. 

في سنة 1959م التي شهدت الصدام الضاري بين السلطة واليسار في مصر، على إثر أحداث العراق، انتقل الشاعر من البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية، يقول نجم: “وفي يوم لا يغيب عن ذاكرتي أخذوني مع أربعة آخرين من العمال المتهمين بالتحريض والمشاغبة إلى قسم البوليس، وهناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال”، وتابع "وبعد أن أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقع إقرارًا يقول إن العامل الذي مات كان مشاغبًا، وإنه قتل في مشاجرة مع أحد زملائه.. ورفضت أن أوقع، فضربت".

وبعد ذلك عاش نجم فترة شديدة التعقيد من حياته إذ وجهت إليه تهمة الاختلاس، ووضع في السجن لمدة 33 شهرًا. 

 

الشهرة في سجن «قرة ميدان»

 

بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية، وساعد الفدائيين في عملياتهم، بعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية دعت الحركة الوطنية العاملين بالمعسكرات الإنجليزية؛ إلى تركها فاستجاب نجم للدعوة، وعينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي، وفي تلك الفترة سرق بعض المسؤولين المعدات من الورشة، وعندما اعترضهم؛ اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات، قضاها بسجن “قرة ميدان”–فيما أكد أحمد فؤاد نجم في أحد البرامج أنه فعلا كان مذنباً– حيث تعرف هناك على أخيه السادس علي نجم، وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول، والتي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون وفاز بالجائزة، وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية باسم «صور من الحياة والسجن»، وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن. 

 

شاعر الإذاعة والشيخ إمام  

 

بعد خروجه من السجن عُين موظفًا بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الإفريقية، وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية، وأقام في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور، بعد ذلك تعرف على الشيخ إمام في حارة "حوش آدم"؛ ليقرر أن يسكن معه ويرتبط به، حتى أصبحا ثنائيًا معروفًا، وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين، ونجحا سويًا في إثارة الشعب وتحفيز الهمم ضد الاستعمار، و غيبة الوعي الشعبي، ويقول نجم عن رفيق حياته: "إنه أول موسيقي تم حبسه في المعتقلات من أجل موسيقاه، وإذا كان الشعر يمكن فهم معناه، فهل اكتشف هؤلاء أن موسيقى إمام تسبهم وتفضحهم". 

 

نجم وشعر العامية 

 

ويرى أحمد فؤاد نجم أن العامية أهم شعر عند المصريين؛ لأنهم شعب متكلم فصيح، وأن العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة، وأكبر من أن تكون لغة، فالعامية المصرية؛ روح وهي من وجهة نظره أهم إنجاز حضاري للشعب المصري.

يعتبر أحمد فؤاد نجم شاعرًا متدفق الموهبة؛ فقد ألف العديد من الأغاني، والتي تعبر جميعها عن رفضه للظلم، وعشقه لمصر، واستيعابه الكامل للواقع الأليم، ومن بين من غنوا أغانيه: الموسيقي السوري بشار زرقان؛ الذي ربطته به علاقة عمل استمرت لسنوات، حيث سجلا معًا ألبوم «على البال»، وآخر أعماله قبل وفاته كانت عام 1999م تمثلت بخمس أغان من أشعاره ضمن ألبوم غنائي بعنوان: «الأرض» عناوينها: الأرض، السلام، آدم، إيزيس، البنت زوزا، وأغنية لم نولد؛ للشاعر أمل دنقل، وأغنية يا صديقي للشاعر إبراهيم عبد الفتاح، والألبوم من ألحان وغناء الفنان الأردني نايف الزعبي.

من أهم أشعار أحمد فؤاد نجم كتابته عن جيفارا رمز الثورة في القرن العشرين، وحصل الشاعر على المركز الأول في استفتاء وكالة أنباء الشعر العربي. 

 

وبعد ثورة 25 يناير عُدّ نجم واحداً من مؤسسي حزب المصريين الأحرار، أنتج فيلم يحكي سيرته اسمه «الفاجومي»، وهو مأخوذ من مذكراته الشخصية .

 

 

الجوائز والتكريم 

 

عام 2007 اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة سفيرًا للفقراء.

عام 2013 فاز بجائزة الأمير كلاوس الهولندية وهي من أرقى الجوائز في العالم ولكن وافته المنية قبل استلامها ببضعة أيام. 
حصل على المركز الأول في استفتاء وكالة أنباء الشعر العربي.

في 19 ديسمبر 2013 وبعد وفاته مُنِح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى. 

 

قالوا عنه

قال عنه الشاعر الفرنسي لويس أراغون: إن فيه قوة تسقط الأسوار.

أسماه الدكتور علي الراعي الشاعر البندقية.

رحل الشاعر أحمد فؤاد نجم في الثالث من ديسمبر عام 2013، عن عُمر ناهز 84 عامًا.