في خضم التصعيد الميداني والكارثة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، تتجدد الاتهامات الأميركية لحركة حماس بالاستيلاء على المساعدات الإنسانية، في خطوة تكشف عن تعقيد المشهد السياسي وتداخل الأجندات الدولية.
فالقضية لا تبدو محصورة في بعدها الإنساني فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى محاولة واشنطن إعادة صياغة السردية حول مسؤولية ما يجري في القطاع، وتخفيف الضغط المتزايد عليها بسبب دعمها الثابت لإسرائيل.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور أحمد يونس، الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي اللبناني، إن تعود الاتهامات الأميركية الأخيرة لحركة حماس بنهب المساعدات الإنسانية في غزة إلى سياق سياسي ودبلوماسي معقد، يتقاطع فيه البعد الإنساني مع الحسابات الاستراتيجية.
وأضاف يونس- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الحركة استولت على جزء من المساعدات التي تصل عبر المعابر، وهو ما نفته حماس بشدة واعتبرته "مزاعم باطلة تبرر فشل واشنطن في وقف المجازر الإسرائيلية".
وأشار يونس، إلى أن الواقع يشير إلى أن هذه الاتهامات تأتي في ظل تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل بسبب الكارثة الإنسانية في القطاع، ومحاولة الإدارة الأميركية تحويل الأنظار عن مسؤولية تل أبيب في عرقلة دخول المساعدات أو قصفها أثناء التوزيع.
وتابع: "من جانبها تدرك حماس أن هذه المزاعم تهدف إلى تشويه صورتها أمام المجتمع الدولي، وتبرير الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل. فواشنطن تخشى أن يؤدي تعاظم المأساة في غزة إلى تآكل صورتها الأخلاقية، خاصةمع الانتقادات الأوروبية المتزايدة، ومن هنا جاء الاتهام كأداة سياسية لتقويض أي تعاطف دولي مع حماس أو تبرير قيود إضافية على دخول المساعدات عبر المؤسسات التي تصفها واشنطن بأنها غير موثوقة".
وأردف: "في المقابل، ترى مصادر إغاثية أن عملية توزيع المساعدات في غزة تخضع لرقابة دقيقة من منظمات الأمم المتحدة، ما يجعل من الصعب على أي طرف نهبها بشكل منظم، والاتهام الأميركي إذا يبدو أقرب إلى مناورة إعلامية تهدف إلى إعادة توجيه الخطاب نحو سلوك حماس بدلا من جرائم الحرب الإسرائيلية، وإلى الضغط على قطر ومصر لتشديد الرقابة على المعابر".
واختتم: "بهذا المعنى، يصبح الاتهام جزءا من معركة السرديات بين واشنطن وحماس، الأولى تحاول حفظ ماء وجهها أمام الرأي العام الغربي، والثانية تسعى لتثبيت نفسها كسلطة أمر واقع تدير الشؤون المدنية في ظل غياب الدولة الفلسطينية، والنتيجة أن الضحية الفعلية تبقى المدنيين في غزة، الذين تحولت معاناتهم إلى ورقة تفاوض سياسية بين القوى الكبرى".
والجدير بالذكر، أن بين اتهامات متبادلة وتوظيف إعلامي كثيف، يظل المدنيون الغزيون هم الخاسر الأكبر في لعبة التوازنات والاتهامات المتبادلة.


