تتزايد التعقيدات السياسية والأمنية المحيطة بملف إعادة إعمار قطاع غزة، في ظل اشتراطات دولية صارمة تقودها واشنطن، بالتوازي مع تحركات ميدانية جديدة لحركة حماس أثارت موجة من الجدل داخل القطاع.
بينما تؤكد الولايات المتحدة ضرورة تحقيق الأمن ونزع السلاح قبل أي خطوة نحو الإعمار، تتهم تقارير ميدانية الحركة بمحاولة إعادة بسط نفوذها في الشوارع والأسواق بعد سنوات من الحرب والانقسام.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إنه منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، يواصل الرئيس عبد الفتاح السيسي التأكيد على موقف مصر الثابت في دعم الشعب الفلسطيني وسكان القطاع، ويشدد الرئيس في كل مناسبة على أهمية التنفيذ الكامل لبنود الاتفاقات المتعلقة بوقف إطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة بكميات كافية، إلى جانب ضرورة الإسراع في إطلاق عملية شاملة لإعادة الإعمار.
وأضاف فهمي- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن تعمل مصر حاليا على الإعداد لتنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة بنهاية الشهر الجاري، بمشاركة واسعة من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، وأكد أن هذا المؤتمر يأتي كمبادرة مصرية مهمة تهدف إلى إغاثة الشعب الفلسطيني وتعزيز الاستقرار داخل القطاع، إضافة إلى دعم الجهود الرامية إلى استدامة وقف إطلاق النار.
وأشار إلى أن الرئيس السيسي أكد أن المشروع المصري لإعادة الإعمار قد حظي بترحيب واسع على المستويات العربية والإسلامية والدولية، مشيرا إلى أنه يمثل خطة استراتيجية طويلة المدى تستهدف تلبية احتياجات سكان القطاع العاجلة والمستقبلية على حد سواء.
وتابع: "هذا المؤتمر سوف يعمل على الترويج لمشروع الإعمار وتسويق فرصه الاستثمارية والتنموية، مع السعي إلى إلزام المجتمع الدولي بالمشاركة الفاعلة في تنفيذه، وأوضح أن نجاح هذا المشروع وديمومته يتطلبان توفير ضمانات حقيقية تحول دون تدخل حركة حماس في إدارة القطاع، بما يضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها وتحقيق الأهداف الإنسانية والإعمارية المنشودة".
ومن جانبه، قال مسؤول أمريكي- خلال تصريحات إعلامية، إن عملية إعادة إعمار غزة لن تكون ممكنة ما لم يتم تسليم سلاح حركة "حماس" بشكل كامل، وضمان عدم تشكيلها أي تهديد مستقبلي للأمن في المنطقة.
وأوضح المسؤول أن إعادة الإعمار مشروطة بتحقيق الأمن والاستقرار، مؤكدا أن المجتمع الدولي لن يشرع في تقديم المساعدات أو تمويل المشروعات دون التأكد من نزع سلاح الحركة ومنع عودة أي عمليات عسكرية داخل القطاع.
وأضاف قائلا إن عددا من الدول والآليات الدولية جاهزة للمساهمة والتبرع في مشاريع الإعمار بمجرد تحقق الشروط الأمنية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن شخصيات من التكنوقراط تم إعدادها لتولي إدارة الخدمات في غزة لوجيستيا، بهدف استعادة الحياة الطبيعية للسكان وتحقيق استقرار دائم.
كما شدد المسؤول على أن التركيز الحالي ينصب على تنفيذ خطة شاملة لنزع سلاح "حماس"، موضحا أن عناصر الحركة في مدينة رفح ستكون بمثابة اختبار رئيسي لنجاح هذا المسار.
وتابع أن مجلس الأمن الدولي سيواجه قريبا اختبارا حقيقيا عند مناقشة مشروع القرار الخاص بنشر قوات دولية في غزة، وهو القرار الذي ينتظر أن يحظى بجدل واسع بين القوى الكبرى.
وفي ختام تصريحاته، أشار المسؤول إلى أن هناك تحديات تواجه تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط، مؤكدا أن العمل جار مع عدد من الدول الفاعلة في المنطقة لتذليل هذه العقبات تدريجيا.
تحركات حماس تثير الجدل في غزة
وفي سياق مواز، أثارت إجراءات جديدة اتخذتها البلديات التابعة لحركة حماس في قطاع غزة استياءا واسعا بين السكان، بعدما طالبت النازحين المقيمين في الخيام بدفع مقابل مالي لاستخدام الأراضي الحكومية التي أقيمت عليها المخيمات.
ويأتي هذا القرار – بحسب مراقبين – في إطار محاولات الحركة إعادة فرض سيطرتها على الشوارع والأسواق بعد عامين من الحرب المدمرة، ما تسبب في حالة من التوتر الاجتماعي والمعيشي داخل القطاع.
وذكرت شبكة "عودة" الفلسطينية أن عناصر حماس أعادوا، مطلع الأسبوع الماضي، انتشارهم في مناطق متفرقة من مدينة غزة، حيث شرعوا في إخلاء عدد من الخيام المنتشرة حول المدينة، وإغلاق بعض المحال التجارية، واعتقال عدد من التجار.
وفي السياق ذاته، نقلت قناة "أخبار 12" العبرية عن مصادر قولها إن تلك التحركات تعكس مساعي حماس إلى بسط نفوذها مجددا، وإيصال رسالة لسكان القطاع بأنها لا تزال القوة المسيطرة رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
إجراءات تنظيمية أم محاولة لإعادة السيطرة؟
كما أوضحت القناة العبرية أن الحركة فرضت حظرا على فتح محال الشاورما، مبررة ذلك برغبتها في ضبط أسعار الدجاج المستخدم في صناعتها، إلى جانب إزالة الخيام المقامة على طريق صلاح الدين واعتقال من وصفتهم بتجار السوق السوداء ضمن حملة تزعم أنها تهدف إلى تنظيم الأسواق.
غير أن محللين سياسيين أكدوا أن هذه الإجراءات ذات طابع سياسي أكثر من كونها اقتصادية أو تنظيمية، معتبرين أن الهدف الحقيقي منها هو إعادة تأكيد سلطة الحركة على الأرض، واستعادة حضورها الميداني والإداري بعد فترة من الانكماش والتراجع.
والجدير بالذكر، أن تتداخل الملفات السياسية والأمنية والإنسانية في المشهد الغزي المعقد، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى فرض معادلة جديدة قائمة على نزع السلاح مقابل الإعمار، فيما تحاول حركة حماس الحفاظ على نفوذها في ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة.
وبين هذه التجاذبات، يبقى المدنيون في غزة هم المتضرر الأكبر، ينتظرون بصيص أمل يعيد إليهم الأمن والحياة الكريمة.



