تشهد الساحة الفلسطينية، وتحديدا قطاع غزة، تطورات متسارعة في ظل حالة هشة من الهدنة الميدانية، وسط تحركات إقليمية ودولية تهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار وتفادي انزلاق الأوضاع إلى تصعيد جديد.
وتبرز في هذا السياق زيارات مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، إلى جانب الدور المصري الفاعل، كمحورين رئيسيين في جهود إحلال التهدئة، وضمان إعادة الإعمار، واحتواء الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
زيارة أمريكية في توقيت حساس
وفي هذا الصدد، قال الدكتور أٔيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن تأتي زيارة ويتكوف وكوشنر في لحظة فارقة، إذ شهدت الهدنة في قطاع غزة توترا شديدا كاد أن يؤدي إلى انهيارها الكامل، خاصة بعد الأحداث التي وقعت في رفح، وأكد أن هذا الظرف الحساس أضفى على التحرك الأمريكي طابعا طارئا، يعكس قلق واشنطن من تدهور الأوضاع الأمنية وخروجها عن السيطرة.
وأضاف الرقب- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن الولايات المتحدة، وعلى رأسها الرئيس ترامب، تبدي حرصا بالغا على تثبيت التهدئة في قطاع غزة، وتدرك الإدارة الأمريكية أن عودة القتال، بعد أن تمكن الاحتلال الإسرائيلي من استعادة أسراه، سيشكل ضغطا سياسيا وأمنيا كبيرا على كل من إسرائيل وواشنطن على حد سواء، وأكد أن من هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة جديا إلى تجنب تجدد العمليات العسكرية، وتركز جهودها على منع الانزلاق مجددا نحو التصعيد.
الأجندة الأمريكية.. ما وراء وقف إطلاق النار
وأشار الرقب، إلى أن الإدارة الأمريكية تبذل جهودا واضحة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة، وتعمل على إعادة دمج القطاع في المشهد الدولي بعد سنوات من العزلة السياسية والاقتصادية، وترى واشنطن أن تحقيق هذا الهدف يتطلب معالجة البعد الأمني للأزمة، بما في ذلك انسحاب حركة حماس من المشهد الأمني، وهو ما يفتح الباب أمام مقترحات بوجود قوات دولية تملأ هذا الفراغ لضمان عدم انفجار الوضع من جديد.
وأوضح، أن الإدارة الأمريكية تؤكد أن الضغوط الدبلوماسية، مهما كانت مكثفة، لا تكفي وحدها لضمان نجاح المرحلة المقبلة، فلا بد أن تترافق تلك الضغوط مع آليات رقابة ومتابعة دولية فعالة وملموسة، تضمن تنفيذ الاتفاقات والتفاهمات على أرض الواقع.
واختتم: "نجاح هذه الجهود، بحسب المبعوثين الأمريكيين، مرهون بالتزام كافة الأطراف المعنية، إلى جانب ضرورة توفير الدعم التقني واللوجستي اللازم، ما يسهم في تمكين التنفيذ الفعلي لبنود أي اتفاق يتم التوصل إليه".
ومن ناحية أخرى، تمر المرحلة الراهنة بلحظة مفصلية شديدة الحساسية في سياق تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث تحظى الجهود المصرية بتقدير كبير لما تلعبه من دور محوري في ترسيخ التهدئة الدائمة وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
وتواصل مصر أداء دورها الإنساني والوطني عبر تسهيل دخول المساعدات الإغاثية والطبية إلى القطاع، التزامًا بمسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية وشعبها.
الدور المصري.. ركيزة أساسية في تثبيت التهدئة
وفي هذا الإطار، تكثف القاهرة تحركاتها الدبلوماسية لإزالة أي تباينات أو خلافات بين الفصائل الفلسطينية، من خلال تواصل مباشر ومنفتح مع جميع الأطراف المعنية، بهدف ضمان تنفيذ شامل ودقيق لاتفاق وقف إطلاق النار، وتهيئة الأرضية السياسية والميدانية لبدء مرحلة إعادة الإعمار والتعافي.
وتأتي هذه الجهود في سياق عملي واضح، حيث أعلنت اللجنة المصرية لإغاثة أهالي قطاع غزة عن تبنيها للمخيم العاشر لإيواء النازحين الفلسطينيين داخل القطاع، في خطوة تعكس حرص الدولة المصرية على دعم صمود أبناء الشعب الفلسطيني على أرضهم، وإجهاض أي محاولات تهدف إلى تهجيرهم قسرا.
وضمن التحرك الميداني، قامت اللجنة بتخصيص أسطول من عشرات الشاحنات والحافلات لنقل العائلات التي اضطرت للنزوح من شمال غزة إلى الجنوب بسبب الحرب الأخيرة، في محاولة جادة لتخفيف المعاناة التي خلفها النزاع، والمساهمة في إعادة تطبيع الحياة اليومية داخل القطاع.
مصر تدعم النازحين الفلسطينيين
وقد أعربت العديد من العائلات المستفيدة عن امتنانها العميق لمصر، قيادة وشعبا، مثنية على الدور المصري الثابت في دعم القضية الفلسطينية، سواء على المستوى السياسي أو الإنساني.
وأكدوا أن هذه المبادرة جاءت في وقت بالغ الصعوبة، إذ بلغت تكاليف النقل مبالغ باهظة تجاوزت ألف دولار للعائلة الواحدة، وهو ما جعل الأمر مستحيلًا بالنسبة لغالبية النازحين.
من جانبهم، أوضح أعضاء اللجنة المصرية أن هذه الخطوة جاءت تنفيذا لتوجيهات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، تأكيدا على التزام مصر الدائم بدعم الأشقاء الفلسطينيين وتقديم كل ما يلزم للتخفيف من آثار الحرب.
وأشاروا إلى أن القوافل الإنسانية التي تم إرسالها تشمل مئات الشاحنات والمركبات المجهزة، لضمان نقل آمن وكريم للعائلات وعودتهم إلى منازلهم ومناطقهم.
والجدير بالذكر، أن تندرج هذه المبادرة ضمن تحرك مصري شامل يهدف إلى تعزيز تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، واستعادة الاستقرار والأمن داخل القطاع، تمهيدا لانطلاق عملية إعادة الإعمار، وتهيئة الظروف لعودة الحياة إلى طبيعتها في غزة.